منذ تلك الساعة بدأت حياته الأليمة.
في الغد نهض باكرا وبنى له كوخا من غصون النخل، وأحاط جسده بزنار من الأشواك وعمل من الأوراق رداء له.
أما غذاؤه الوحيد فقد كان من ثمر النخيل.
مر على الفتى عشرة أعوام في تلك العزلة صرفها في التقشفات والصلاة والبكاء، حتى انتشر خبر قداسته في المدينة، فأخذت الوفود تأتي لزيارته من أطراف الجهات البعيدة.
أما هو فلم يتردد أن هرب من تلك الصحراء ...
بعد مسيرة ساعات عديدة بلغ إلى قرية منفردة فاجتازها حتى وصل إلى حائط مرتفع، تقوم على أعمدته مغاور عديدة بعضها مهجور، والبعض الآخر تسكنه عيال من الوطنيين آثروا البقاء في مآوي جدودهم.
اختار الناسك مغارة ضيقة من تلك المغاور، بعيدة عن الناس ووطد إقامته بها.
منذ ذلك الحين آل أحد المسيحيين على نفسه أن يحضر له كل أسبوعين طعامه الضروري.
مرت الأيام على عزلته في تلك المغارة، وهو يضرع إلى الله ويحمل نفسه عذابات الجلد والجوع!
وفي ذات يوم أبصر جماعات من الزوار قادمين إليه ليتبركوا به، إلا أنه لم يخرج من مغارته ورفض أن يتحدث إليهم، فجعلوا يبكون أمام باب المغارة ويتضرعون، ولكنه بقي صامتا مستغرقا في تأملاته.
نامعلوم صفحہ