تلخیص کتاب السماء والعالم
تلخيص كتاب السماء والعالم
اصناف
وأما الذين قالوا بسكون الأرض وهم جمهور القدماء [27 ظ : ع] فانهم تحيروا واختلفوا في العلة التي من أجلها تسكن الأرض، وذلك انهم وجدوا أن أجزاء الأرض إذا رفعت إلى الهواء وخلى عنها هوت سفلا، وانه إذا دحرج الجزء الأسفل منها تحرك الجزء الأعلى إلى موضع الأسفل، وان الجزء الكبير منها يضغط الصغير ويحركه إلى جهة المركز، وأن الجزء كلما كان أعظم كان أسرع لانحداره. وهذا شيء ليس يعرض للأرض بجملتها وقد كان واجبا أن يعرض للكل ما يعرض للجزء. وهو يحمد القدماء في طلبهم علة هذه المشاهدة، ويقول ان طلبهم هذه العلة هو فلسفة حق، وان كان جميع ما قالوه فيها أمر غير مستقيم، وهو يحكي عنهم في ذلك، أعني في سبب سكون الأرض بجملتها مع أن أجزائها تظهر أبدا متحركة نحو المركز، آراء: أحدها قول من قال ان السبب في ذلك أن الأرض بجملتها غير متناهية فليس لها مكان تتحرك إليه. وهذا القول فاسد، فإنه قد تبين أنه ليس يوجد جسم بالفعل لا نهاية له، وقد عاب هذا القول أنبادقليس وحمل على قائله. والقول الثاني قول من قال ان السبب في سكون الأرض انها بجملتها موضوعة على الماء، فانها تطفو عليه شبه الخشبة، فانها لا تطفو على الهواء وتطفو على الماء. وهو يبطل هذا الرأي بثلاث حجج: احدها (26 ظ) [18 ظ] (أنه) إذا كان سبب ثبوت الأرض الماء فماذا ليت شعري هو سبب ثبوت الماء، فإن أجزاء الماء أيضا تتحرك سفلا. والحجة الثانية: أنه يظهر أن الهواء أخف من الماء والماء أخف من الأرض، فإن كان ذلك كذلك فكيف يمكن أن يكون الجسم الأخف تحت الأثقل، أعني أن يعتمد الأثقل عليه. والحجة الثالثة: أنه لو كان من شأن الأرض ان تثبت على الماء لكان من شأن أجزائها أن تثبت عليه وتطفو فوقه، وذلك خلاف المحسوس، فإن جميع أجزاء الأرض ترسب في الماء، وكلما كان جزء الأرض أكبر كان أسرع لرسوبه إلى القعر. والرأي الثالث : قول من قال أن السبب في سكونها هو عرض شكلها، وذلك أن من شأن هذا الشكل أن يعسر قطعه للهواء، فلذلك تطفو الأرض فوق الهواء، مع أنه ليس لها موضع خال في الهواء تنتقل إليه، فكأنها مضغوطة من كل ناحية من قبل الهواء، إذ كان ليس له موضع ينتقل إليه، ولا هناك جسم يملأ الموضع الذي كانت تفرغه الأرض لو تحركت بجملتها، شبه ما يعرض في سراقات الماء فإنه إذا سدت أفواهها لم يسل الماء من أسفلها إذ كان ليس هنالك جسم يملأ موضع الماء. ويثبتون قولهم بما يظهر في أشياء كثيرة من أن الهواء قد يقوى ان يحمل أجساما عظيمة الثقل، وبخاصة إذا كانت عريضة الأشكال، فإن هذا الشكل يعسر به تقسم الهواء. وهو يرد هذا بأنه لو كان السبب في وقوف الأرض هو هذا، أعني ضغطها للهواء، وانه ليس لها موضع تتحرك إليه، لكان عظم جرمها أحرى أن يكون سببا لوقوفها من عرض شكلها. وذلك أنه كلما كانت الأرض أعظم احتاجت إلى مكان أعظم وكان ضغطها للهواء أكثر، وسواء كانت مستديرة أو غير مستديرة في هذا المعنى، واللازم في ذلك واحد، فلا معنى لقولهم ان السبب في ذلك انها عريضة الشكل، هذا ان سلم لهم أنها عريضة، فاما ان لم تكن عريضة فقولهم أشد فسادا. والرأي الرابع: قول من قال ان السبب في سكونها في الوسط انما هو الحركة الدورية التي عرضت للكل، أعني الهواء والماء، عن حركة الجرم الأول، فإن جميع من قال أن الأرض في الوسط وأن العالم محدث اتفقوا على أنها انما اندفعت إلى الوسط من قبل الحركة الدورية، كما يعرض في الرطوبات وفي الهواء، أعني أنه إذا أديرت بشدة اندفعت الأشياء الثقيلة التي فيه إلى الوسط، فبعض هؤلاء كان يقول أن السبب في سكونها في الوسط إذا اندفعت عن الحركة هو عرض شكلها، وبعضهم كان يقول أن السبب في سكونها في الوسط هو السبب بعينه في اندفاعها إلى الوسط، أعني [28 و: ع] حركة الالتواء والتدوير، ويحتجون لذلك بما يظهر من أن الماء إذا أدير في القدح بشدة (ووضعت فيه قطعة نحاس أنه يثبت ذلك النحاس) في وسطه ولا يرسب غلى قعر القدح، وهذا القول <هو> منسوب إلى أنبادقليس. ولما فرغ من ذكر آرائهم أتى بقول مشترك في الرد على جميع هذه الأقاويل المتقدمة في علة سكون جميع الأرض مع الحركة التي توجد لاجزائها، وهو يقدم لذلك أولا مقدمات قد وضعها غير ما مرة: احداها: إن كل جسم طبيعي فله حركة طبيعية، وذلك أنه إن لم تكن له حركة طبيعية لم تكن له حركة قسرية، فإن القسرية إنما تقال بالاضافة إلى الطبيعة. وإذا لم تكن له حركة طبيعية ولا قسرية فليس له حركة أصلا، وذلك مستحيل، أعني أن يلفي جسم طبيعي غير متحرك أصلا. والمقدمة الثانية: ان كل جسم طبيعي إذا كان له حركة طبيعية مستقيمة فله سكون طبيعي، وان السكون الطبيعي نهاية الحركة الطبيعية، كما أن السكون القسري نهاية الحركة القسرية. وإذا كان ذلك كذلك، وفرضنا سكون الأرض بكليتها في الوسط، اما من قبل شكلها، واما من قبل الالتواء والتدوير الذي يقول به جمهور الطبيعين، واما من قبل أن غيرها يحملها، كان سكونها في الوسط سكونا قسريا ضرورة. فإذا توهمنا السبب القاسر للأرض في الوسط قد ارتفع، مثل أن ترتفع شدة الحركة والتدوير أو غيرها من الأسباب التي قالوا بها، كان للأرض ضرورة أن تتحرك بالطبع من الوسط التي هي فيه ساكنة، وذلك إلى ما يلي اقدامنا ورؤوسنا، فإنه يجب أن تكون نسبة حركتها بالطبع إلى هاتين الجهتين نسبة واحدة (وألا (27 و) [19 و] تكون حركة إلى جهة ما يلي رؤوسنا أحرى إلى جهة ما يلي أقدامنا. وإذا كانت نسبة حركتها إلى هاتين الجهتين نسبة واحدة) لكون الجهتين واحدة، فواجب أن يكون ما لا يعوق الأرض عن الحركة من احدى هاتين الجهتين الا يعوق من الجهة الأخرى، فإن الأشياء المتشابهة عللها متشابهة. فإن كان الدوران أو شكل الأرض لا يعوق الأرض عن الحركة إلى ما يلي رؤوسنا فليس يعوقها عن الحركة إلى ما يلي أقدامنا، فإنه واجب إذا فرضت أن الجهتين واحدة ان يكون ما يعوق من احداهما يعوق عن الأخرى، وما لا يعوق من احداهما لا يعوق من الأخرى. ولما أتى بهذا الرد المشترك لجميعهم، أخذ في الرد على أنبادقليس بما يخصه، وذلك بحسب ما كان يراه في تكون العالم، فيقول له: فقبل أن تجتمع الاسطقسات واجزاء العالم من المحبة أين كانت الأرض يومئذ ساكنة، وما كان السبب إذ ذاك في سكونها، فانه قبل أن تكون صورة هذا العالم موجودة لم يكن هنالك تدوير ولا حركة الهواء. وهذه المقاومة هي من جنس المقاومة التي تكون بحسب قول القائل لا بحسب الأمر نفسه. ثم إنه يأتي بعد هذا القول بثلاث معاندات بحسب الأمر نفسه: العناد الأول: انه ليس يمكن أن يتصور أن التدوير والالتواء الذي في الهواء هو الذي كان فيما سلف سبب حركة الأرض إلى الوسط وسكونها فيه، وإنه حينئذ كان موجودا على غير ما هو عليه الآن، فإن الهواء القريب من الأرض ليس يوجد الآن متحركا وانما يتحرك من الهواء دورا ما قرب من الأثير، فنحن بين أمرين: اما أن نضع حركة الالتواء في الهواء والتدوير حينئذ كما هي الآن. واما أن نضع انها كانت فيما سلف على غير ما هي عليه الآن. فإن وضعنا أنها كانت فيما سلف على غير ما هي عليه الآن فما السبب الآن ليت شعري في سكون الأرض في الوسط وحركتها إليه. وان وضعنا أنها كانت فيما سلف كما هي الآن، أعني من حركة الهواء، فمستحيل أن تكون حركة الهواء سببا لسكون الأرض في الوسط وحركتها إليه لا فيما سلف ولا في الآن. والعناد الثاني: أنه إن كنا لا نرى أن الالتواء هو سبب لحركة النار إلى فوق بل نقر أن طبيعة النار هي السبب في ذلك، فواجب أن يكون السبب في حركة الأرض إلى الوسط وسكونها فيه طبيعتها [28 ظ: ع] لا الالتواء والتدوير، فإن النقلة لما كانت واحدة بالجنس، وجب أن يكون سببها أيضا واحدا بالجنس وهو طبيعة المتنقل. والعناد الثالث: أنه من البين بنفسه أن الثقيل والخفيف ليسا يحدان بالدوران حتى يكون الثقيل هو الذي يندفع عن الدوران والخفيف هو الذي لا يندفع عنه، وذلك أنه من المعلوم بنفسه أن الدوران ليس يظهر في حد الثقيل ولا في حد الخفيف كما يظهر في حدهما الحركة إلى فوق والحركة إلى أسفل، أعني أنا نحد الخفيف بأنه المتحرك إلى فوق والثقيل بأنه المتحرك إلى أسفل. وإذا كان هذا هكذا فالثقيل والخفيف موجودان بانفسهما قبل الدوران والالتواء، وهما السبب في حركة الأرض إلى أسفل والنار إلى فوق. وأيضا فإن فرضنا أن الحركة حادثة، أعني حركة الدوران، فإلى أي موضع ليت شعري كانت تتحرك الأرض والنار قبل حدوث هذه الحركة، فإنه ان لم يكن في وقت ما جسم كري متحرك دورا لم يكن هنالك نهاية وإذا لم يكن نهاية لم يكن هنالك فوق ولا أسفل، وإذا لم يكن هنالك فوق ولا أسفل لم يكن هنالك ثقيل ولا خفيف، وإذا لم يكن هنالك ثقيل ولا خفيف لم يكن هنالك أرض ولا نار. وذلك كله مستحيل . ولما فرغ من عناد هذه الآراء أتى برأي خامس للقدماء في سبب سكون الأرض وهو أشدها اقناعا، وهو رأي منسوب إلى القميدروس القديم، وذلك أن هذا الرجل ومن تبعه كان يرى أن سبب سكون الأرض في الوسط إنما هو كونها موضوعة من جميع الآفاق بالسواء، وذلك أنه لما لم يكن لها أن تتحرك إلى جهة أكثر منها إلى جهة، إذ كان بعدها إذا كانت في الوسط من كل ناحية من الأفق بعدا سواء، وقفت هناك، وذلك اما أن الافاق كأنها تجاذبها من كل ناحية تجاذبا (27 ظ) [19 ظ] سواء، وكأن قوتها في الحركة إليها تكون قوة سواء. واما إذا لم تكن في الوسط فيكون الأفق الأبعد أقوى جذبا أو تكون هي إليه أقوى ميلا. وهو يعاند هذا الرأي بثلاثة براهين: اثنان منها يبطل بهما هذا الرأي نفسه، والثالث يبطل به القياس الذي يستعملونه في تثبيته. فأما العناد الأول فهو هكذا: ان كان سبب سكون الأرض في الوسط انما هو تساوي بعدها من جميع الآفاق، فيجب أيضا إذا توهمنا النار موضوعة في الوسط ان تسكن هنالك، وليس النار فقط، بل وكل جسم يوضع هنالك. وإذا كان ذلك كذلك، لم يكن هذا السكون للأرض في الوسط خاصا بها بل مشتركا لها ولجميع الأجسام، وإذا كان الأمر كذلك فهذا السكون هو لها قسري لا طبيعي، وإذا كان هذا السكون لها قسريا لم يكن لها سكون طبيعي. وقد قيل أن كل جسم له سكون بالطبع كما أن له حركة بالطبع. وأما العناد الثاني فهو أن السكون الذي هو نهاية الحركة الطبيعية واجب أن يكون سكونا طبيعيا، ولما كان حيث تسلك أجزاء الأرض فهنالك يجب أن تسلك الأرض بجملتها، وكانت الأجزاء تسلك سلوكا إلى الوسط، فواجب أن تكون الأرض بأسرها تسلك سلوكا طبيعيا إلى الوسط. وإذا سلكت إليه سلوكا طبيعيا فهي تسكن فيه سكونا طبيعيا، وإذا سكنت هنالك سكونا طبيعيا فليس سبب سكونها هو تساوي الميل وتقاوم الحركات المتضادة وتعادلها. والعجب، كما يقول أرسطو، أن يفحص الفاحص لم سكنت الأرض في الوسط ويعطي فيها مثل هذه العلة البرانية، ولا يطلب مثل ذلك في سكون النار في الأفق، فإنه واجب أن يكون الأمر فيهما متشابها، أعني أنه إن كانت النار إنما تسكن في الأفق من قبل طبيعتها ان تكون الأرض إنما تسكن في الوسط من قبل طبيعتها، وإن كانت الأرض انما تسكن في الوسط لأمر يضطرها إلى السكون فيه ان تكون النار انما تسكن في الأفق لأمر يضطرها إلى السكون فيه. وبالجملة فقد كان واجبا عليهم أن يطلبوا في النار مثل هذه العلة. إلا أنه متى وضعت امثال هذه العلل لسكون الاسطقسات ارتفع السكون الطبيعي عنها جملة، وإذا ارتفع السكون الطبيعي [29 و: ع ] ارتفعت الحركة الطبيعية وإذا ارتفعت الحركة الطبيعية ارتفعت القسرية، وإذا ارتفعت الحركتان معا بطل وجود الجسم الطبيعي، إذ مستحيل أن يوجد جسم لا متحرك ولا ساكن. وكذلك يجب عليهم أن يطلبوا فيها علة الحركة كما طلبوا علة السكون. فاما قياسهم الذي أوجبوا منه أن الأرض ثابتة في الوسط فإنه مؤلف من مقدمتين: إحداهما: أن الأرض إذا كانت في الوسط كانت حركتها إلى جميع النواحي بالسواء. والمقدمة الثانية وهي الكبرى: (ان كل ما كانت حركته إلى جميع النواحي بالسواء فواجب أن يثبت في مكانه ويسكن فيه). فينتج من ذلك: (أن الأرض واجب أن تسكن في الوسط لكون حركتها إلى جميع النواحي بالسواء). ويثبتون هذه المقدمة الكبرى بما يظهر من أمر (الصخرة المستديرة) أنها إذا جذبت من جميع النواحي بالسواء ثبتت ولم تمل إلى جهة دون جهة، وكذلك الرجل العطشان والجائع جدا وقد بعد عنه الطعام والشراب بعدا سواء انه واجب فيه أن يسكن ولا يتحرك. وأما أرسطو فإنه يعاند هذه المقدمة الكبرى بما أقوله: وذلك أن كل ما كان ثبوته ووقوفه بهذا النحو من الوقوف، فواجب أن تتمزق أجزاؤه وتتشذب وتتحرك إلى جميع النواحي، لأنه ليس الجسم الموضوع في الوسط نقطة حتى يلزم في أجزائه ما يلزم في كله، أعني أن يكون بعد الكل والاجزاء من المحيط بعدا واحدا، وسواء وضعت الأجزاء تتحرك إلى جهة البعد (الاقرب ان كان ذلك على جهة الجذب ، أو إلى جهة البعد) الأبعد أن كان ذلك من قبل الميل، وان كان واجبا فيها ان فرضت متحركة نحو الأفق ان تكون متحركة نحو الأفق الأقرب فإن الجسم الطبيعي كلما قرب من موضعه الطبيعي كان أسرع حركة. وإذا كان ذلك كذلك فقد (28 و) [16 و] يجب في الأرض أن تتمزق وتتحرك أجزاؤها إلى جميع الجهات، وأقل ذلك أن تنتفخ وتنتشر ان لم تتمزق، وتصير أعظم مما هي بالطبع، هذا إذا وضعنا الاجزاء تتحرك إلى جهة القرب الأقرب. كما يلزم فيها إن كانت حركتها إلى نحو البعد الأبعد أن تنقبض وتتضام، والانقباض والانتشار حركة، فوجود الشيء في الوسط هو احرى على هذا الوجه ان يكون سببا للحركة من أن يكون سببا للسكون. فهذا هو الذي يستعمل أرسطو في ابطال هذه المقدمة. واما المقدمة الصغرى فقد تبين بطلانها أيضا من قوة الأقاويل التي سلفت، وذلك أن الأرض إذا كانت حركتها، وهي (في) الوسط، إلى جميع النواحي بالسواء فسكونها هنالك قسرا لا طبيعي، فأي موضع هو الذي يسكن فيه ليت شعري سكونا طبيعيا، فإن سائر المواضع هي مخصوصة بسائر الاسطقسات. وأما تامسطيوس فإنه يروم نصرة هذا القول، ويقول: انه قد قيل في طيماوش أن الشيء المتشابه إذا وضع في الشيء المتشابه أنه لا يميل إلى أحد الجوانب (وأنه ليس المعنى في قولهم أنه يميل إلى أحد الجوانب) بمعنى أن القوى المتضادة التي فيه >تقف ذلك في اعتدال< على الحركات المختلفة تتقاوم حتى يقف الشيء بضرب من القسر هنالك، بل معنى ذلك عندهم أن الشيء المتشابه إذا وضع في الوسط وكان من شأنه أن يثبت هنالك، فإن السبب الأقصى في سكونه هو كون بعده من جميع الجهات بعدا سواء. فكأن هذه العلة المعطاة في هذا القول على ما فهمه هذا الرجل عن القدماء انما هي علة أقدم من صورة الأرض لسكونها الطبيعي في الوسط، وذلك أنه إذا فرضنا الأرض ساكنة بالطبع في الوسط كانت العلة القريبة في ذلك صورة الأرض وهي الثقل، والعلة البعيدة كونها (بعيدة) من جميع الآفاق بالسواء، ولذلك يستجفي تامسطيوس قول أرسطو هاهنا ويقول أن هذه العلة ليس تذهب على أحد، أعني أن سبب سكون الأرض هو أنه لها بالطبع. ويقول وإنما الذي تتشوق معرفته ما سبب هذا الوقوف الذي لها في هذا الموضع بالطبع. وإن كان مقصد القدماء بهذا القول هذا فإن أرسطو ما فهم عنهم مقصودهم، وأقاويله التي أتى بها في معاندة هذا الرأي يسهل الانفصال عنها [ 29 ظ : ع] كما فعل ذلك تامسطيوس فيها ، فانا نجده في كتابه قد انفصل عنها من هذه الجهة. وقد ينبغي أن ننظر ما مقصود القدماء في ذلك، هل ما فهمه عنهم أرسطو، أو ما فهمه عنهم تامسطيوس المنتصر لهم ولأفلاطون، فنقول: إنه من الظاهر أن القدماء إنما كانوا يطلبون في ذلك السبب الفاعل لسكونها في الوسط، وذلك اما القريب واما البعيد، ان كان هنالك سبب بيعد أو كلاهما، لا السبب الصوري (ولا غير ذلك من الأسباب). وبين أن من قال أن السبب في سكونها في الوسط هو: أن الجوهر الثقيل من شأنه بالطبع أن يسكن هنالك، فقد أعطى السبب الفاعل القريب، كما فعل ذلك أرسطو. وان من قال أن السبب في كون الثقيل ساكنا بالطبع في الوسط: ان الذي في الوسط بعده من جميع النواحي بعد سواء أنه لم يعط في ذلك سببا فاعلا لسكونها بالطبع في الوسط لا قريبا ولا بعيدا، وإنما اعطى سببا صوريا تعاليميا، وذلك أن حد (الشيء) الذي في الوسط (ان) يكون بعده من جميع النواحي بعدا سواء، فكأنه قال انما سكنت بالطبع في الوسط لأن (الشيء) الذي في الوسط بعده من جميع النواحي بعد سواء، وبين أن هذا لم يكن غرض القدماء، وإنما كان طلبهم عن السبب الفاعل لسكون الأرض في الوسط، وذلك لا يتصور، أعني إذا فرضنا البعد المتساوي للأرض من الأفق سببا فاعلا لوقوفها، إلا بأن تكون في الأرض قوة على الحركة إلى جميع النواحي بالسواء، فحينئذ يكون تساوي الميل سببا فاعلا لسكونها في الوسط، ومن هذه الجهة يلحقهم العناد الذي ألزمهم أرسطو، فانهم انما كانوا يرومون أن يعطوا في (سكون) الأرض سببا مباينا لسبب حركة أجزائها في الوسط، فإنهم كانوا يرون الأجزاء متحركة والأرض بجملتها واقفة (فكانوا يرومون أن يعطوا في ذلك سببا طبيعيا فلزمهم أن يكون سببا قسريا)، لأن السبب في حركة الاجزاء وسكونها وحركة الكل وسكونه هو واحد بعينه، ولما ذهب على (القدماء) (28 ظ) [16 ظ] الموضع الطبيعي لسكون الاجزاء ذهب عنهم الموضع الطبيعي لسكون الكل، فإنه واجب إن لم يكن للجزء موضع يسكن فيه بالطبع الا يكون للكل، وان كان للجزء موضع يسكن فيه بالطبع فواجب أن يكون للكل، وان يكون موضع الكل والجزء واحدا بالصورة والحد واما ما يقال في علة وجود الثقيل والخفيف من كون بعد الثقيل عن الحركة الدورية السماوية وقرب الخفيف منها فهو قول حق، إلا أنه ليس بعلة للأمر المطلوب هاهنا وهو لم كانت الأجزاء تتحرك من الأرض والأرض بجهاتها ساكنة، وانما هو علة لوجود الثقيل والخفيف، ولذلك ليس يليق أيضا أن يحمل قول القدماء على هذا المعني ويتأول فيه هذا التأويل. فهذا هو جملة ما يقوله في ابطال مذاهب القدماء في هذا المطلوب. ولما أبطل العلل التي قالها القدماء في سكون الأرض شرع هاهنا في اعطاء السبب الطبيعي في ذلك وحل الشك الذي أفنى القدماء أعمارهم في طلبه، وهو ما يظهر من سكون الأرض بجملتها وتحرك أجزائها، إذا وجدت موضعا للحركة، مع أن المقر به أن موضع الكل والجزء يجب أن يكون واحدا ، فابتدأ أولا بابطال أن تكون الأرض متحركة. ونحن فقد ذكرنا ذلك عند الاخبار عن مذهب من قال أن الأرض متحركة فلينقل إلى هاهنا ، وليجعل على حدته فصلا خامسا.
و- الفصل السادس
صفحہ 268