الفلسفات الاجتماعية الألمانية، وبخاصة عند ماكس فيبر (1864-1920م)؛ مما أثر على بحوثهم في علم اجتماع المعرفة والأدب والفن. (4)
فلسفة التحليل النفسي وفلسفة الحضارة عند سيجموند فرويد (1856-1939م) (خصوصا بعد تطويرها بمنظور اجتماعي عند فيلهيلم ريش وإريك فروم وماركوز). (5)
الأفكار والتصورات الماركسية والهيجلية الجديدة، التي عبر عنها في العشرينيات من هذا القرن كل من كارل كورش (1886-1961م)، وجورج لوكانش (1885-1971م)، لا سيما في كتابه التاريخ والوعي الطبقي (1923م)، الذي عرض فيه لفكرة «تشيؤ» الإنسان واغترابه، التي كان لها تأثير قوي على رواد النظرية النقدية، بجانب التأثر بصورة غير مباشرة بفلسفة الأمل عند أكبر فيلسوف «يوتوبي» في العصر الحاضر، وهو إرنست بلوخ (1885-1977م)، الذي جعل من مبدأ الأمل مقولة أنطولوجية أساسية نظر من خلالها نظرة موسوعية إلى تطور المادة، وإلى كل إبداعات العقل الأوروبي والتراث الحضاري البشري، ورصد حركته نحو «يوتوبيا» إنسانية لم تتحقق بعد ولن تتحقق إلا في ظل المجتمع الشيوعي الذي سيكون - في تقديره - «وطن» الإنسانية والحرية والعدل والإخاء. (6)
التأثر ببعض أفكار فلسفة الظاهرات (الفينومينولوجيا) وفلسفة الحياة وفلسفة الوجود، التي انطلق منها بعض أعلام مدرسة فرانكفورت؛ مما جعل فلسفتهم تتهم في كثير من الأحيان - كما سبق القول - بأنها ماركسية وجودية. ونخص منهم بالذكر هربرت ماركوز، الذي درس في شبابه على يدي هسرل مؤسس الظاهرات (1859-1938م)، ثم هيدجر (1889-1976م) الذي أعد رسالته في الدكتوراه تحت إشرافه، وكذلك هوركهيمر وأدورنو اللذين لا يخفى تأثير فلسفة شوبنهور (1788-1860م) ونيتشه (1844-1900م) وفيلسوف الحياة والتاريخ والحضارة وعالم الاجتماع جورج زيميل (1858-1918م) على تفكيرهما الجاد، وحسهما المأسوي، وتصورهما المتشائم لتاريخ العقل البشري بوصفه تاريخ عذاب الإنسان وتعذيبه من قبل قوى فظة غاشمة وشبه مجهولة، بحيث بلغ ذروة سلبيته وتجرده من أقنعته الحضارية وتصدعه واغترابه في ظل المجتمعات الصناعية «المتقدمة»، ومع تصاعد الإرهاب النازي ثم الرأسمالي والشيوعي.
4 (1-2) خصائصها وسماتها العامة
تكاد مقولة «التشيؤ» و«الاغتراب» أن تكون إطارا مرجعيا لمعظم الأفكار التي يطرحها فلاسفة النظرة النقدية، ونواة مركزية يدور حولها الجانب الأكبر من مناقشاتهم وتحليلاتهم للمجتمع الرأسمالي والصناعي «العقلاني» الحديث، وتعبر هذه المقولة في أبسط أشكالها عن أن المجتمع والبشر ليسوا في واقع حياتهم ما يمكن أن يكونوه بحسب ماهيتهم وإمكاناتهم؛ ذلك أنهم في الحقيقة مغتربون عن هذه الإمكانات وتلك الماهية؛ فالمجتمع الصناعي المتقدم الذي ينصب عليه حديثهم عن هذه المقولة يكشف عن اغتراب الإنسان وتشيئه في ظواهر عديدة ومتنوعة. من هذه الظواهر أن الإنسان قد تحول في ظل علاقات العمل الصناعية والرأسمالية إلى مجرد عنصر أو جزء ضئيل من جهاز الإنتاج الهائل الذي تحدده «الأتمتة» و«الميكنة»، وصار عجلة صغيرة مجهولة قابلة لأن يستبدل بها غيرها داخل «العالم التقني» الضخم، الذي يصعب الإحاطة بشبكته المعقدة، أو بالقوى التي تحرك خيوطه.
فالإنسان واقع تحت ضغط الآلات التي تفرض عليه ألوانا من السلوك النمطي الرتيب، وتسد عليه منافذ المبادرة الشخصية الحرة، وتعوق تحديده لذاته، وتخنق فاعليته الخلاقة.
وتتجلى ظاهرة التشيؤ والاغتراب بجانب ذلك في تسلط النظم البيروقراطية وأساليب القمع الإداري المختلفة، التي تجعل الإنسان نهبا لمظاهر القهر الخفية والسافرة في المجتمع الصناعي المتقدم، الذي أحكمت أجهزة «الإدارة» قبضتها عليه، بحيث سلب البشر فرديتهم، وانحطت قيمتهم الإنسانية والذاتية تحت ضغط عملية الإنتاج الآلية إلى مستوى «الشيء» الذي تشكله القوى المسيطرة كيفما شاءت. أضف إلى هذا ظاهرة ثالثة توضح مدى اغتراب الإنسان في المجتمع الصناعي الحديث ، وهي «توحيد» الحاجات البشرية، وتقنين أنماط السلوك أو «التسوية» بينها عن طريق عملية الإنتاج السلعي الضخم، وصناعة التسويق والاستهلاك على أوسع نطاق. ويصور للإنسان الفرد (على حد تعبير أدورنو وهوركهيمر في كتابهما المشترك عن جدل التنوير)
5
من خلال شركات الإنتاج ووكالاته التي لا حصر لها، ومن خلال ثقافتها الإعلامية، أن أنماط السلوك الموحدة أو المقننة هي وحدها الأنماط الطبيعية المحترمة المعقولة.
نامعلوم صفحہ