قلت: بل يحرم عليه الاستمرار فيه؛ لأنه استمرار في معصية، ولا يخفى أنه إن أراد أنه ﷺ خشي ذلك فقطع اعتكافه، فهو غير صحيح؛ لأنه لم يقطع اعتكافه خشية ذلك.
وإن أراد أنه قطع اعتكافه نسائه لخشية الرياء عليهن فعبارته لا تؤدي هذا، ثم الذي تقدم أنه ﷺ إنما خشي أنهن قصدن القرب منه، لا إخلاص العبادة، فالأولى أن يعلل أمره ﷺ بتقويض قبب نسائه؛ لأنه لم يكن أذن إلا لواحدة، وغيرها خرج من بيته ﷺ بغير إذنه، وهو لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه، ثم عمّم التقويض لقبة من أذن لها، فلأنها كانت سبب خروجهن بغير إذنه، وأمّا قبته فلأنه متطوع فهو أمير نفسه.
قوله: "فقوض":
بضم القاف وتشديد الواو المكسورة بعدها ضاد معجمة، أي: نقض ورفع، وبه فسره المصنف.
واعلم أنَّ المصنف نسب اللفظ الأول من حديث عائشة إلى الستة، فأوهم كلامه أنَّ اللفظ لهم، وليس كذلك، بل قد فصل ابن الأثير ألفاظ الروايات، فهذا اللفظ الذي أتى به المصنف برمته مجمع من ألفاظ، فلا نطول بالروايات، إلا أنَّه قال ابن الأثير لفظ الموطأ (١) أي: عن عائشة أنَّه ﷺ أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه وجد أخبية خباء عائشة، وحفصة، وزينب، فقال رسول الله ﷺ: "آلبرَّ تَقُولُونَ بهنَّ" ثم انصرفَ، ولم يعتكف حتى اعتكف عشرًا من شوال.
وأخرجه الترمذي (٢) عن عائشة، وأبي هريرة معًا مختصرًا، قال: "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله ﷿".
(١) في "الموطأ" (١/ ٣١٦).
(٢) في "سننه" رقم (٧٩٠) وقال: حديث حسن صحيح.