Tafsir Ibn Kathir
تفسير ابن كثير
تحقیق کنندہ
سامي بن محمد السلامة
ناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
ایڈیشن نمبر
الثانية
اشاعت کا سال
1420 ہجری
اصناف
تفسیر
وَهَذِهِ إِنْ لَمْ تَكُنِ "اقْرَأْ" فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتِ اسْمَ جِنْسٍ لِسُوَرِ الْمُفَصَّلِ الَّتِي فِيهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، ثُمَّ لَمَّا انْقَادَ النَّاسُ إِلَى التَّصْدِيقِ أُمِرُوا وَنُهُوا بِالتَّدْرِيجِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا وَهَذَا مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أَوِ السُّوَرَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ الْبُدَاءَةُ بِهَا فِي أَوَائِلَ الْمَصَاحِفِ، مَعَ أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ، وَهَذِهِ الْبَقَرَةُ وَالنِّسَاءُ مِنْ أَوَائِلِ مَا فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَا عِنْدَهُ.
فَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي السُّوَرِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَمْ تُرَخِّصْ لَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَخْرَجَتْ لَهُ مُصْحَفَهَا، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُ عَائِشَةَ: لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّ سُورَةٍ بَدَأْتَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ بَعْضَ السُّوَرِ أَوْ أَخَّرَ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ، ﵇، قَرَأَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِالْبَقَرَةِ ثُمَّ النِّسَاءِ (١) ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ (٢) . وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الرَّدِّ أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ أَخَّرَ سُورَةً مُقَدَّمَةً أَوْ قَدَّمَ أُخْرَى مُؤَخَّرَةً كَمَنْ أَفْسَدَ نَظْمَ الْآيَاتِ وَغَيَّرَ الْحُرُوفَ وَالْآيَاتِ (٣) وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ اتِّبَاعَ مُصْحَفِ عُثْمَانَ، ﵁، فَإِنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْمَشْهُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ترتيب السور فيه منه ما هو رجع إِلَى رَأْيِ عُثْمَانَ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي سُؤَالِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ فِي تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي أول براءة، وذكره الأنفال من الطول، وَالْحَدِيثُ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَوِيٍّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى تَرْتِيبِ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ نُزُولِهِ.
وَلَقَدْ حَكَى الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ: أَنَّ أَوَّلَ مُصْحَفِهِ كَانَ: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْأَكْرَمِ" وَأَوَّلَ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ ثُمَّ الْبَقَرَةُ، ثُمَّ النساء على ترتب مُخْتَلِفٍ، وَأَوَّلَ مُصْحَفِ أُبَيٍّ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ ثُمَّ النِّسَاءُ، ثُمَّ آلُ عِمْرَانَ، ثُمَّ الْأَنْعَامُ، ثُمَّ الْمَائِدَةُ، ثُمَّ كَذَا عَلَى اخْتِلَافٍ شَدِيدٍ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنَ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ، ﵃، وَكَذَا ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ قَالَ: فَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوَائِلِ فَهُوَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ بِلَالٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَبِيعَةُ: لِمَ قُدِّمَتِ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ، وَقَدْ نَزَلَ قَبْلَهُمَا بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سُورَةً؟ فَقَالَ: قُدِّمَتَا وَأُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى عِلْمٍ مِمَّنْ أَلَّفَهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعِلْمِ بِذَلِكَ، فَهَذَا مِمَّا يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إِنَّمَا أُلِّفَ الْقُرْآنُ عَلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ (٤) .
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: إِنَّا نَجِدُ (٥) تَأْلِيفَ سُوَرِهِ فِي الرَّسْمِ وَالْخَطِّ خَاصَّةً وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا منهم
(١) في جـ: "بالنساء".
(٢) رواه مسلم في صحيحه برقم (٧٧٢) .
(٣) تفسير القرطبي (١/ ٦٠) .
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (١/ ٥٩، ٦٠) .
(٥) في ط، جـ: "إنما يجب".
1 / 48