تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
اصناف
[2.171]
{ ومثل الذين كفروا } عطف على جملة اذا قيل (إلى اخرها) ووضع الظاهر موضع المضمر اشعارا بأن من كان هذا جوابه كان كافرا، او حال والمعنى انهم قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا والحال أنهم كالبهائهم او آبائهم كالبهائم فى عدم التفطن { كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعآء وندآء } نعق بغنمه كمنع وضرب نعقا ونعيقا ونعاقا ونعقانا صاح بها وزجرها والمعنى مثل هؤلاء القائلين او آبائهم فى عدم قصد المعنى من كلماتهم كمثل داعى البهائم او رادعهم فى عدم قصد المعنى من ألفاظه سوى الدعاء او النداء والزجر او مثل القائلين او آبائهم فى عدم تفطن المعنى من كلمات الغير كمثل بهائم الذى ينعق بالبهائم التى لا تسمع من الالفاظ الا دعاء وزجرا، والمقصود ان مثل الكافرين بولاية على (ع) فى دعائك لهم الى ولايته كمثل بهائم الداعى التى لا تسمع الا دعاء ونداء، روى عن الباقر (ع) أنه قال: اى مثلهم فى دعائك اياهم الى الايمان كمثل الناعق فى دعائه المنعوق به من البهائم التى لا تفهم وانما تسمع الصوت ولا يلزم فى التشبيهات المركبة ان يصح التشبية بين اجزاء الطرفين فضلا عن التطابق فى الترتيب { صم بكم عمي } قد مضى بيان لهذه فى اول السورة { فهم لا يعقلون } لتنزلهم الى مقام المدارك الحيوانية وسدهم روازنها الى العقل.
[2.172]
{ يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } نادى المؤمنين خاصة بعد نداء الناس اجمعين تشريفا لهم كأن نداء الناس كان تقدمة لندائهم ولذلك غير اسلوب الامر بالاكل بنسبة الرزق الى نفسه وايقاعه عليهم كأنهم المقصودون بايجاد المأكول وتقديم الطيبات وافادة كون الامر بالاكل للوجوب او الندب هاهنا بافادة الاباحة من رزقناكم بخلاف سائر الناس فانه لا يستفاد من امرهم الا الاباحة وبالترغيب الى الشكر بعد الامر بالأكل كأنهم لا حاجة لهم الى التحذير ولا خطوة للشيطان فيهم، والاتيان بالشرط التهييجى بعد الامر بالشكر وتعيين المحرمات كأنه لا حاجة لهم الى التحذير منها انما الحاجة الى تشخيص ما يحترز منه { واشكروا لله } المراد بالشكر هاهنا صرف النعمة فى وجهها لاستفادة ملاحظة المنعم والانعام فى النعمة من { رزقناكم } ولذا التفت من التكلم الى الغيبة كأنه قال بعد ملاحظة انعامنا فى النعمة ينبغى التوجه الى ما خلقت له بالانصراف من الحضور والتوجه الى ما خلقت لاجله { إن كنتم إياه تعبدون } شرط تهييجى وتنبيه على أن المؤمن ينبغى ان يكون كون عبادته مقصورة على معبوده لا ينظر فى عبادته الى غيره من الرضا والقرب والنعيم والخلاص من الجحيم والاغراض المباحة الفانية والاغراض الفاسدة المحرمة من الرياء والسمعة والمناصب والجاه والتحبب الى الناس وغير ذلك مسلما مفروغا عنه.
[2.173]
{ إنما حرم عليكم الميتة } والحصر هاهنا ضافى يعنى لا ما حرمتموه بأهوائكم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك مما لم يرد به نهى من الله { والدم ولحم الخنزير ومآ أهل به لغير الله } وما رفع الصوت بسببه لغير الله يعنى ما ذكر اسم غير الله عليه وقوله و
لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
[الأنعام: 121] اعم مما ذكر اسم الله غير الله عليه فالتخصيص هاهنا بما ذكر اسم غير الله عليه اما للاهتمام بحرمة هذا القسم لشدته او لأن عدم ذكر اسم الله لا ينفك عن ذكر اسم غير الله فان النفس ان لم تكن مؤتمرة بأمر الله كانت مؤتمرة بأمر الشيطان واذا لم تكن متذكرة بذكر الله كانت متذكرة بذكر الشيطان لعدم خلوها من ائتمار ما وذكر ما، والتفسير بذبيحة ذكر اسم غير الله عليها بيان لتنزيل الآية، ولا يخفى على من استبصر اجمالا بطريق التأويل تعميم ما أهل به لكل ما يدخل تحت اليد ولكل فعل من افعال القوى يعنى لا تأخذوا ولا تأكلوا ولا تنكحوا ولا تفعلوا صغيرا ولا كبيرا ذكر اسم غير الله او لم يذكر اسم الله عليه، وفسر بما ذكر اسم الله او اسم غير الله لأجل غير الله يعنى ما ذبح لأجل الاصنام او لأجل ما نصبوه للعبادة سوى الاصنام { فمن اضطر } الى شيء من هذه المحرمات { غير باغ ولا عاد } من البغية بمعنى الطلب او من البغى بمعنى الفجور والزنا، او من البغى بمعنى الاستطالة وفسر فى الخبر بطالب الصيد لهوا وبطالب اللذة وبالباغى المستطيل على الامام والعادى المتجاوز عن الحد سواء كان التجاوز عن الحد فى الامامة بان يقول بامامة امام باطل او بتشريك امام باطل للامام الحق او بالغلو فى الامام الحق بان يقول فيه ما لم يقله هو فى حقه او فى سائر الحقوق الالهية والخلقية، او فى جملة الافعال الصادرة من المدارك والقوى العمالة فان المفرط ولمفرط فيها متجاوز عن الحد وعاد، وقد فسر بكل منها فى الاخبار { فلا إثم عليه } فى الاكل عن هذه { إن الله غفور } يستر عليكم ما هو نقص وشين لكم { رحيم } يرحمكم بالاذن فى المخمصة ان ترتكبوا ما حرمه عليكم فى غيرها، عن الصادق (ع): من اضطر الى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر.
[2.174-175]
{ إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب } اما المقصود منافقوا الامة واسقاطهم من الكتاب مناقب على (ع) ومثالب أحزابهم ولذا أتى بالمضارع اخبارا بما يقع بعد، او المراد أعم من اهل الكتاب ومنافقى الامة و { من الكتاب } صلة أنزل اى ما أنزل الله من اللوح المحفوظ او من مقام النبوة وهو مقام القلب الى الصدر وعالم الطبع او حال مما أنزل الله، ومن للتبعيض على ان يكون المراد بالكتاب التدوينى او اعم منه ومن احكام النبوة { ويشترون به ثمنا قليلا } قد مضى بيان مبسوط لاشتراء الثمن القليل بالآيات فى اول السورة عند قوله { ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا } { أولئك ما يأكلون } اى ما يدخلون بالأكل من الاعواض التى يأخذونها بما أنزل { في بطونهم إلا النار } ومثل هذه قد تكرر فى الكتاب والكل مبنى على التضمين { ولا يكلمهم الله يوم القيامة } كناية عن عدم الاعتداد بهم لشدة الغضب { ولا يزكيهم } لا يطهرهم، او لا يثنى عليهم بأنهم ازكياء، او لا ينعم عليهم من زكى الرجل اذا صلح وتنعم { ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى } اى استبدلوا الضلالة التى هى ملك الشيطان بالهدى الذى كان لهم ملكا فى الدنيا { والعذاب بالمغفرة } فى الآخرة { فمآ أصبرهم على النار } فما أجرأهم على فعل يدخلهم فى النار ويبقيهم فيها فهو تعبير عن الشيء باللازم ولذا اختلف الاخبار فى تفسيرها واختلف المفسرون فى بيانها.
نامعلوم صفحہ