221

Tafsir Ahmed Hateeba

تفسير أحمد حطيبة

اصناف

تفسير قوله تعالى: (إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله ﷿ في سورة الحج: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج:٢٣ - ٢٤].
لما أخبر الله سبحانه ﵎ عن حال أهل النار وكيف أن الله سبحانه ﵎ يعذبهم العذاب الأليم فقال: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ [الحج:١٩ - ٢٠]، فذكر ما يكونون فيه من عذاب مقيم؛ فقد استكبر الكفار في الدنيا ورفضوا قبول الحق الذي جاء من عند رب العالمين، وتجبروا على الخلق فاستحقوا نار جهنم؛ ولذلك جاء في الصحيحين عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (احتجت الجنة والنار فقالت النار: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقضى الله ﷿ بينهما فقال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها) يعني الله سبحانه ﵎ وعد أن يملأ هذه ويملأ هذه، فالنار مكان المتكبرين فهذا عذابهم، يصب من فوق رءوسهم الحميم، وتقطع لهم ثياب من نار، ويصهر بهذا الحميم ما في بطونهم والجلود، ويذكر في الآية الأخرى أنه يأمر بالكافر أن يسلك في سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا كما قال: ﴿فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ [الحاقة:٣٢]، فالإنسان الكافر في نار جهنم يكون كاللحم المشوي في السيخ، وكما يقال: سلكت الخرز في الخيط بمعنى أدخل الخيط في جوف الخرز، وكذلك الكافر يؤتى بسلسلة طولها سبعون ذراعًا على قدر طول هذا الإنسان وأكثر فيسلك فيها فتدخل من فيه وتخرج من دبره، ويعلق في نار جهنم كالشيء المشوي! وجاء في سنن الترمذي عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (إن الحميم ليصب على رءوسهم فينفذ الحميم حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر ثم يعاد كما كان) قال الترمذي: حسن صحيح، هذا حال الكافر، أما المؤمن فيقول ﷾: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ﴾ [الحج:٢٣]، فربنا ﷾ عندما يخوف الإنسان بالنار يرجي الناس بجنته حتى يتوب على من يشاء، ومن تاب تاب الله عليه وأدخله جنته.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج:٢٣]، حق على الله سبحانه ﵎ أن يدخل المؤمنين بفضله وبرحمته جنات تجري من تحتها الأنهار بشرط أن يكونوا آمنوا وأن يكونوا عملوا الصالحات، والإيمان ليس هو مجرد قول باللسان، ولا يقين في القلب، ولكن لابد من العمل الصالح.
قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ﴾ [الحج:٢٣] أي: بساتين عظيمة ﴿تَجْرِي﴾ [الحج:٢٣] أي: تجري في أرضها الأنهار، وهي أنهار من ماء وأنهار من عسل وأنهار من خمر وأنهار من لبن.
قال: ﴿يُحَلَّوْنَ﴾ [الحج:٢٣] أي هؤلاء أهل الجنة يحليهم ويزينهم ربهم سبحانه بما تركوه في الدنيا تواضعًا لرب العالمين سبحانه.
﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾ [الحج:٢٣] فهم ملوك في الجنة.
والأساور جمع أسورة، وهو ما يزين به المعصم، تتزين به النساء، وقد يتزين به ملوك الكفار في الدنيا، فربنا ﷾ يحلي أهل الجنة، بهذه الأساور، وهي أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ وأساور من فضة، فذكر هذا هنا في سورة الحج، وقال في سورة فاطر: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ [فاطر:٣٣]، وقال في سورة الإنسان: ﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان:٢١]، فهذه من أنواع الحلي التي يلبسها أهل الجنة.
وهنا في هذه الآية قال سبحانه: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ [الحج:٢٣] ولؤلؤًا بالنصب قراءة نافع وأبي جعفر وعاصم ويعقوب، وباقي القراء يقرءونها بالجر (ولؤلؤٍ)، والمعنى يحلون فيها من أساور من ذهب، ويحلون لؤلؤًا على النصب، وعلى الجر المعنى: يحلون فيها من أساور هذه الأساور من ذهب ومن اللؤلؤ.
وهؤلاء الذين يقرءونها بالجر وبالنصب لهم وجهان في الهمز، فيقرأ أبو جعفر وشعبة عن عاصم (ولولؤًا)، ولـ أبي عمرو في الهمزة الأولى وحمزة (ولولؤ) على خلاف بين حمزة وهشام في الهمزة الثانية، فيقرآنها في الوقف: (ولولو)، وإن كان هشام ليس له في الأولى إلا الهمز.

21 / 2