وَأَمْسَتْ تُخَبِّرُنا بالنِّقَا ... بِ وادي المياهِ ووادي القُرى
قال ابن جني: النقاب موضع يتشعب منه طريقان إلى وادي المياه ووادي القرى، أي صرنا إلى النقاب عليها، وقدرنا سلوك إحدى الطريقين عليها، صارت كأنها مخيرة لنا إحدى الطريقتين، وإن كانت في الحقيقة غير مخيرة.
وقال الشيخ: قوله النقاب، ليس هو اسم موضع بعينه، وإنما هو من قولهم ورد الماء نقابًا إذا لم يعلم حتى يرده، فكأنه ادعى للإبل أنها من خبرتها تخبرهم بالمياه. ووادي المياه ووادي القرى بدل من النقاب بدل تبيين.
ولاحَ لها صَوَرٌ والصَّباحَ ... وَلاحَ الشُّغورُ لها والضُّحى
قال الشيخ: ذُكر عن أبي الفتح ابن جني أنه قال: صور لا يعرف في هذه المواضع وإنما أخذه أبو الفتح من الكتب الموضوعة في المقصور والمحدود. وإنما أراد أبو الطيب صورًا فألقى حركة الهمزة على الواو وحذفها، وقد ذكر الفرزدق هذا الموضع في شعره فقال:
فما جَبَرَتْ إلاَّ على عَتَبٍ بها ... عَرَاقيبُها مُذْ عُقِرَتْ يومَ صَوارِ
وفي هذا المعنى كانت المعاقرة بين غالب أبي الفرزدق وسحيم بن وثيل الرياحي. والمعنى أن هذا الموضع لاح للإبل مع الصباح، ولاح الشغور لها مع الضحى، ويجوز في الصباح الرفع على العطف، والنصب على أنه مفعول معه. وكذلك يجوز في الضحى، والشغور يجوز أن يكون اشتقاقه من قولهم بلاد شاغرة، إذا لم يكن لها من يحميها.
وَرَدْنا الرُّهَيْمَةَ في جَوْزِهِ ... وَباقِيهِ أكثرُ مِمَّا مَضَى
قال الشيخ: الجوز الوسط، وبعض ما لا علم له بالعربية، يسأل عن هذا البيت، ويظن أنه مستحيل، لأنه يحسب أنه لما ذكر الجوز وجب أن تكون القسمة عادلة في النصفين، فيذهب إلى أن قوله " وباقية أكثر مما مضى " للكلام المتقدم وليس الأمر كذلك، ولكنه جعل ثلث الليل الثاني كالوسط وهو الجوز. ثم قال " وباقية أكثر مما مضى " كأنه ورد والثلث الثاني قد مضى منه ربعه وبقي ثلاثة أرباعه، وأكثر هذا بيّن واضح. وقد ذكر ابن فورجة في كتابه الموسوم) بالفتح على أبي الفتح (أن القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز، نقم على أبي الطيب في قوله: وَرَدْنا الرُّهَيْمَةَ في جَوْزِهِ ونسب إليه الغلط في ذلك، فقال: كيف يكون باقيه أكثر مما مضى، وقد قال في جوزه، والجوز الوسط؟ قال ابن فورجة: وعندي أن المخطئ هو القاضي، فإنه لم يفهم البيت فتجنى، ثم اعتذر بما وضعه الله عنه، وقد تقدم قوله:
فيا لك ليلًا على أعكُشٍ ... أحَمَّ البِلادِ خَفِيَّ الصُّوى
فظن القاضي أن جوزه الهاء لليل وأنه كقول عمر بن أبي ربيعة:
وَرَدْتُ وَما أدري بَعْدَ مَورِدي ... مِنَ اللَّيْلِ أمْ ما قَدْ مَضَى مِنْهُ أكْثَرُ
ولعمري أنه لو كان كما ظن، لكان كلامه محالًا، وإنما الهاء في جوزه لأعكش، وأعكش مكان واسع، والرهيمة ماء مكانه وسط أعكش، فهذا كلام صحيح ثم قال وباقيه، أي باقي الليل، فقد بان أن المعنى لم يفهمه الذي رده.
فَلَمَّا أَنَخْنا رَكَزْنا الرِّمَا ... حَ فَوْقَ مَكارِمِنا والعُلا
قال الأحسائي: في هذا البيت وجوه من المعاني، أحدها: أن مكارمهم طبقت الأرض، ووصلت إلى كل موضع منها، ووسمت الأرض بآثارها، فأين ما نزلوا وطئوا مكارمهم، وأناخوا على آثارها، وركزوا الرماح عليها، وهذا وجه والثاني: أن عادة العرب إذا عادوا من سفر أو وقعة، فوصلوا إلى المنزل الذي يستريحون فيه، حطوا أثقالهم في الأرض، وعددوا مفاخرهم ومناقبهم، ثم ركزوا عليها الرماح.
ووجه ثالث: وهو أنهم ركزوا الرماح بالرهيمة في أرض كانت فيها وقائع لأهل الكوفة، ظفروا بأعدائهم فيها من أهل الشام وغيرهم في قديم الزمان، فذكر أنها مكارم لهم، وفعال سلفت لقومه هناك.
ووجه رابع: وهو أن فوق تستعمل كثيرًا بمعنى دون، فأراد أنهم ركزوا الرماح وإن كانت طوالًا دون مكارمهم وعلاهم، والشاهد لكون فوق بمعنى دون، قوله تعالى) إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما بعوضة فما فوقها (أي فما دونها. وقول أبي الطيب:
وَمِنْ جَسَدي لمْ يَتْرُكِ السَّقْمُ شَعْرَةً ... فما فَوْقَها إلاَّ وَفيها لَهُ فِعْلُ
أي دونها.
ومن التي أولها: إِنَّما التَّهْنِئاتِ لِلأَكِفَّاءِ
1 / 7