وقال الأحسائي: الأموات في قول جمهور الناس بعدد الأحياء، وأنه لا يموت واحد إلا ولد بازائه مولود، وهذا قول تشهد الحكمة بصحته، وتسكن العقول إلى وجوبه، يقول: فإذا صرت في الأموات كثروا على الأحياء كثرة قلة كما أن الأحياء بكونك فيهم، أكثر من الأموات كثرة نباهة وشرف، لا كثرة عدد وكذلك تكثر الأموات بموتك كثرة قلة لا كثرة عدد، وكشف معنى قوله: كثرة قلة أن شخصك حينئذ يصير إلى الأموات فقط، والذكر والشرف والمجد والفخر في إحياء لم يدفن معك ولا مات فتصير للأموات فيها حظ. وإنما كثروا بالشخص الذي عدمته الأحياء، وكثرة الأموات على الحقيقة قلة.
لم تسم يا هارون إلا بعدما ... اقترعت ونازعت اسمك الأسماء
قال ابن جني: يقول لم تسم يا هارون بهذا الاسم إلا بعد أن تقارعت عليك الأسماء، فكل أراد أن تسمى به فخرًا بك وقال الشيخ: أجود ما يتأول في هذا أن يكون الاسم هاهنا في معنى الصيت كما يقال: فلان قد ظهر اسمه أي قد ذهب صيته في الناس، فهذا يحتمله ادعاء الشعراء وهو مستحيل في الحقيقة لان العالم لا يخلو أن يكون فيه هارون فهذا يحتمل ادعاء الشعراء هو مستحيل في الحقيقة لأن العالم لا يخلو أن يكون فيه جماعة يعرفون بهارون ويجوز أن يكون الأسماء في آخر البيت جمع اسم أي صيت وتحتمل أن تكون جمع اسم يعني به اسم الرجل الذي هو معروف به مثل زيد وعمرو وما جرى مجراه.
فبأيما قدم سعيت إلى العلا ... أدم الهلال لأخمصيك حذاء
قال ابن جني: تعجب من القدم التي تسعى بها إلى العلا ثم دعا له فقال) أدم الهلال لأخمصيك حذاء (كأنه دعا للقدم المعنى: لا تزال عاليًا وهو كقوله: أتتركني وعين الشمس نعلي قال الشيخ: ذكر أن قوله أدم الهلال دعا للممدوح وليس في ذلك فائدة وإنما الشاعر مخبر للممدوح يقول فبأيما قدم سعيت أي في حال طلبت المعالي فأنت رفيع القدر كأن أدم الهلال حذاء لأخمصيك ولم يرد والله معنى الاستفهام في أول البيت وإنما أراد في أي حال طلبت المعالي، فأنت رفيع القدر، كأن أدم الهلال حذاء لأخمصيك، ولم يرد والله معنى الاستفهام في أول البيت، وإنما أراد في أي حال طلبت المكارم، فأنت في غاية لا يبلغها غيرك، وكأنه جعل سعيه إلى المعالي مختلفًا فلذلك حسن أن يقول " فبأيما قدم سعيت ". كأنه جعل سعيه إلى الحرب قدمًا، وإعطاءه النوال قدمًا أخرى، وعفوه عن الجاني ثالثة.
لو لم تكُنْ من ذا الوَرى اللَّذ منكَ هوْ ... عَقِمَتْ بمولدِ نَسْلِها حَوَّاءُ
قال ابن جني: قوله: اللذ، بسكون الذال وكسرها، لغة، يقول لو لم تكن من هذا الورى كأنه منك، لأنك جماله وشرفه وأنفس أهله، ولكانت حواء في حكم العقيم التي لم تلد، ولكن بك صار لها ولد.
وقال الأحسائي: إن الله تعالى إنما خلق آدم وحواء، لتكون منهما ولولا ذلك لما أنسلا، وحذف الياء من الذي وسكون الذال كقوله:
كنت من الأمرِ اللذي قد كيدا ... كاللذْ تَزَيَّى زُبْيَةً فاصطيدا
ومن التي أولها:
ألا كُلُّ ماشيةِ الخيزلى ... فِدا كُلِّ ماشيةِ الهيدبى
قال الشيخ: الخيزلى مشية فيها تفكك من مشي النساء يقال: مشت الخيزلي والخيزلى والخيرزي والخورزي بمعنى واحد. والهيذبي ضرب من مشي الخيل. ويقال: الهيدبي بالدال والذال. ومعنى البيت ألا كل امرأة فدا كل فرس.
وَكُلِّ نَجاةٍ بُجاوِيَّةٍ ... حَنوفٍ وَمَا بِيَ حُسْنُ المِشى
قال ابن جني: بجاوية منسوبة إلى البجاوة، وهي قبيلة من البربر، يطاردون عليها في الحرب. قال يرمي الرجل بالحربة فإن وقعت في الرمية، جاء الجمل إليها حتى يتناولها صاحبها. وإن وقعت في الأرض أسرع الجمل إليها حتى يضرب بجرانه الأرض فيأخذها صاحبها. هذا لفظ المتنبي.
قال الشيخ: ناقة نجاة في معنى ناجية، وهي السريعة التي تنجي صاحبها. وهو اسم وضع للإناث دون الذكور، لأنهم قالوا للناقة نجاة، ولم يقولوا للبعير نجي. وبجاوية منسوب إلى البجاة، ويقال أنه اسم جيل من الناس، وقيل: بل البجاة البلد، ولهم نجب موصوفة، ويجب أن يكون قوله: بجاوية منسوبة على غير قياس، لأنه لو حمل على لفظ البجاة لقيل بجوي. والخنوف: التي نقلت خفها الوحشي والاسم الخناف، والمشي جمع مشية كما يقال الفِرى جمع فرية.
1 / 6