قال ابن فورجة: لم يفسر الشيخ أبو الفتح هذا البيت تفسيرا شافيا، وهذا كلامه قال: جيحان نهر، أي أدناك سيرك من النهر وأبعدك من آمد، وهذا. أيدك الله كلام غير مفيد. إذ كان من سار من موضع إلى موضع آخر فقد أدناه ركضه من مقصده وأبعده من حيث انفصل عنه. ولو سار غلوة أو فرسخا، فما وجه المدح في هذا؟ إذا تأولناه على ما تأوله الشيخ أبو الفتح وما فائدة البيت؟ ووجه تأويله عندي ما أقول، وذلك أن جيحان من آمد على مسافة بعيدة قد علم ذلك بقوله:) سريت إلى جيحان من أرض آمد (وهذه مسافة لا يصل فيها أحد بمسرى ثلاث ليال، ولو أن قائلا قال سريت إلى الكوفة من بغداد. لفهم عنه أنه وصل إلى الكوفة إذ سرى إليها من بغداد، ويجوز أن يفهم عنه أنه سرى إلى الكوفة ولم يصل إليها، ولكن الكلام يدل بعضه على بعض، ولا سيما ومن عادة العرب الاختصار والاقتصار، فنحن نفهم من قول أبي الطيب) سريت إلى جيحان من أرض آمد (أنك وصلت إلى هذا النهر من آمد في ثلاث ليال، ليصح معنى تعجبه) لقد أدناك ركض وأبعد (وقوله ثلاثا يريد في ثلاث فلما حذف حرف الجر نصب وأعمل فيه سريت.
هَنيئًا لكَ العيدُ الذي عيدُه ... وعيدٌ لمنَ سمي وضَحَّى وَعَيَّدَا
قال أبو العلاء: ينتصب) هنيئا (عند قوم على مذهب قولهم: ثبت لك هنيئا، وقيل بل هو اسم موضع المصدر، كأنه قال: هناك هنيئا، لأنهم ربما وضعوا أسم الفاعل في هذا الموضع، كما قلت بعض نساء العرب وهي ترقص أبنها:
قُمْ قائِمًا قُم قائمًا ... لَقيتَ عَبدًا نائمًا
تريد: قياما.
والعيد مأخوذ من عاد يعود، وقالوا فيه معه أعياد، كراهة أن يقولوا أعواد بجمع العود، وقولهم عيد الأضحى يريدون جمع أضحاة، كما يقال أرطاة وأرطى وفيه أربع لغات أضحية وأضحية وضحية وأضحاة، ويقال في جمع ضحية ضحايا، وفي جمع أضحية وإضحية أضاحي، وإنما قيل أضحية لأنها تذبح إذا أضحى النهار.
وقال أبو علي: تكلم على العيد الشيخ أبو الفتح بكلام من باب التصريف، وأعرض عن معنى البيت. وقوله: أنت عيده يريد تحل له أنت محل العيد في القلوب إذ كان العيد مما يفرح له الناس وكذلك العيد يفرح بوصوله إليك. كما قال في مكان آخر:
جاءَ نَورُوزُنا وأنتَ مُرادُهْ ... وَوَرَتْ بالَذِي أرَادَ زِنادُهْ
وقوله لمن سمى يريد ذكر أسم الله على أضحيته سبحانه) وأنعام لا يذكرون أسم الله عليها (وقوله تعالى:) فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منه (وذكر اسم الله واجب على المسلمين، فيريد أنت عيد لكل مسلم.
فَواعَجَبا مِنْ دَائِلٍ أنتَ سَيفُهُ ... أما يَتَوقَّى شَفرتَيْ ما تَقَلَّدَا
قال ابن جني: الدائل أسم الفاعل من دال يدول، يريد هنا الدولة فتعجب من عظم همة الدولة إذا تقلدته، ومعناه في الحقيقة الخليفة، ويجوز أن يكون أخرج الدائل مخرج التامر واللابن. أي ذو تمر ولبن ودولة.
وَمَنْ يجعَلِ الضِّرغامَ للصَيدِ بَازَه ... يُصَيَرُهُ الضّرغامُ فيما تَصيَّدَا
قال أبو الفتح: قلت له وقت القراءة: لم جعلت من شرطا صريحا وهلا جعلتها بمنزلة الذي وضمنت الصلة معنى الشرط حتى لا ترتكب الضرورة؟ كقوله تعالى:) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم (. فقال هذا يرجع إلى معنى الشرط والجزاء، وإنما جئت بلفظ الشرط صريحا لأنه أبلغ وأكد، وأردت الفاء في) يصيره (وحذفتها، والذي قال له جائز والوجه ما سمته إياه، ومذهب سيبويه في مثل هذا التقديم والتأخير، كأنه قال: يصير الضرغام بازا من يجعله فيما تصيده، واكتفى بهذا القول من جواب الشرط.
وقال أبو العلاء: رواية أهل هذه جزم) يجعل (ورفع) يصيره (وذلك ضعيف جدا، لأنه يحوج إلى أن تضمر الفاء فيجري مجرى قول زهير:
وإن أتاهُ خَليلٌ يومَ مَسألةٍ ... يَقُولُ لا غائِبٌ مالي ولا حَرِمُ
كأنه أراد فيقول أي فأنه يقول، وليست هاهنا ضرورة داعية إلى رفع) يصيره (وجزم) يجعل (لأنه إذا رفع) يجعل (وحمل الكلام على المبتدأ والخبر صرفه عن الشرط والجزاء، كفى هذه المئونة ويكون) من (في معنى الذي. كأنه قال والذي يجعل الضرغام للصيد بازه يصيره فيكون) يصيره (في موضع خبر المبتدأ.
وقوله:
1 / 24