70

تفسير صدر المتألهين

تفسير صدر المتألهين

اصناف

الخامسة: وهي الحاوية لمجامع النعم. اعلم أن النعم تنقسم إلى ما هي غاية مطلوبة لذاتها، وإلى ما هي مطلوبة لغيرها. أما الغاية فهي السعادة، ويرجع حاصلها إلى أربعة أمور: بقاء لا فناء له، وسرور لا غم فيه، وعلم لا جهل معه، وغنى لا فقر معه؛ وهي النعمة الحقيقية. وغيرها يراد لأجلها ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله):

" لا عيش إلا عيش الآخرة ".

وأما الوسائل؛ فتنقسم الى الأقرب الأخص، كفضائل النفس. وإلى ما يليه في القرب، كفضائل البدن. وإلى ما يليه في القرب ويجاوز إلى غير البدن كالأسباب المطيفة بالبدن من المال والأهل والعشيرة. والى ما يجمع بين هذه الأسباب الخارجة عن النفس وبين الحاصلة لها، كالتوفيق والهداية. فهي إذن من أربعة أنواع.

أما النوع الأول: فيرجع حاصلها - مع انشعاب أطرافها - إلى الايمان والعدالة. أما الايمان فهو العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأما العدالة وهي حسن صورة الباطن، فعبارة عن تهذيب الأخلاق، وتصفية القلب عن الرذائل، وصرف القوى الشهوية والغضبية والوهمية فيما خلقت لأجله حتى يكون شجاعا لا متهورا، ولا جبانا، ويكون عفيفا لا فاجرا ولا خاملا، ويكون حكيما لا مكارا ولا أبله، فالفضائل المختصة بالنفس المقربة الى الله علم مكاشفة وعلم معاملة، وحسن خلق وحسن سياسة. ولا تتم هذه النعمة في غالب الأمر إلا بالنوع الثاني وهي الفضائل البدنية. وهي أربعة: الصحة، والقوة، والجمال، وطول العمر، ولا تتهيأ هذه الأمور البدنية إلا بالنوع الثالث وهي النعم الخارجة المطيفة بالبدن وهي أربعة: المال والأهل والجاه وكرم العشيرة. ولا ينتفع بشيء من هذه الأسباب الخارجة البدنية إلا بالنوع الرابع من النعم، وهي أربعة: هداية الله ورشده وتسديده وتأييده.

فمجموع مجامع النعم ستة عشر، وهذه الجملة يحتاج البعض منها إلى الآخر، إما حاجة ضرورية، أو نافعة. ولو أخذنا في بيان الحاجة لطريق الآخرة إلى كل واحد واحد من الأقسام التي ذكرناها من النعم النفسية والبدنية والخارجة عنها كالمال والجاه والأهل والنسب، لطال الكلام، لكن أخفى النعم البدنية في كونها محتاجا إليها هو الجمال، وأخفى النعم الخارجة في ذلك هو النسب، فلنبين وجه الحاجة إليهما.

أما الجمال؛ فلا يخفى نفعه في الدنيا، فإن الطبائع من القبيح مستنفرة، وحاجات الجميل أقرب الى الإجابة، وجاهه أوسع في الصدور، وكل معين في الدنيا معين في الآخرة، ولأن الجمال في الأكثر يدل على فضيلة النفس، لأن نور النفس إذا تم اشراقه تأدى الى البدن، فالمنظر والمخبر كثيرا ما يتلازمان، ولذلك عول أصحاب الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيئات البدن وقالوا: الوجه والعين مرآة الباطن، وقيل: الروح إن أشرق على الظاهر فصباحة، وإن أشرق على الباطن ففصاحة. ولذلك قال (صلى الله عليه وآله):

" اطلبوا الخير عند حسان الوجوه "

وقال الفقهاء: إذا تساوت درجات المصلين، فأحسنهم وجها أولاهم بالامامة. وقال سبحانه ممتنا بذلك:

وزاده بسطة في العلم والجسم

[البقرة:247]. وليس المعنى ما يحرك الشهوة، فإن ذلك أنوثية، بل تناسب الأعضاء واعتدال الخلقة.

نامعلوم صفحہ