تفسير صدر المتألهين
تفسير صدر المتألهين
اصناف
وأي فائدة للتكليف بالطاعات، وبعثة الأنبياء بالمعجزات والآيات، وأي تأثير للسعي والجهد وأي توجيه للوعيد الوعد، وما معنى الابتلاء في قوله:
ليبلوكم أيكم أحسن عملا
[هود:7] إذا كان الكل بالتقدير والقضاء؟ إذ مدار التكليف والسعي والجهد والوعيد والوعد على الاختيار، لا على الإجبار والاضطرار.
قلنا: فائدة التكليف والوعد الوعيد، تحصيل الشوق الذي هو مبدأ الإرادة للأفعال الجميلة، فإن المراد ها هنا بالإرادة: هي العزيمة الثابتة الباعثة الجازمة على الفعل أو الترك، فإذا أدركنا شيئا وعلمناه؛ فإن اعتقدنا ملائمة أو منافرة لنا دفعة بالتوهم أو ببديهة العقل، انبعث منه شوق الى جذبه او دفعه يتبعه إرادة، فإذا انضمت الى المقدرة، انبعثت تلك القوة لتحريك الأعضاء ليحصل الفعل بالاختيار، وإن لم نعتقد بالضرورة، الملائمة والمنافرة، أعملنا الروية، واستعملنا القوى الدراكة لطلب الترجيح بإرادة عقلية أو وهمية.
فربما كان ملائما ببعض الوجوه، غير ملائم ببعضها، أو ملائما للحس، غير ملائم للعقل، أو بالعكس، أو نافعا في العاجل غير نافع في الآجل، أو بالعكس، ويحدث بسبب كل ملائمة داع، وبحسب كل منافرة صارف، ويترجح عزم أحد طرفي الفعل والترك بحسب ترجيح دواعيه، وعند تعارض الدواعي وتكافؤ الأشواق، يقع التحير، ونستعمل القوة الفكرية حتى يسنح ما يرجح أحد الطرفين، فنفعل بحسبه.
فنقول: كما تفطنت أن الأشياء الداخلة في وجود الإنسان كالعلم والقدرة والإرادة من جملة أسباب الفعل، فاحدس أن هذه الأمور الخارجة أيضا من جملتها، فالدعوة والتكليف، والإرشاد والتهذيب، والوعد والترغيب، والإيعاد والتهديد، أمور جعلها الله مهيجات الأشواق، ودواعي الى الخيرات والطاعات، واكتساب الفضائل والكمالات، ومحرضات على أعمال حسنة، وعادات محمودة، وملكات مرضية، وأخلاق فاضلة نافعة لنا في معاشنا ومعادنا، يحسن بها حالنا في دنيانا ويحسن بها سعادة عقبانا.
أو محذرات عن أضدادها من الشرور والقبائح والذنوب والرذائل، مما يضرنا في العاجل، ونشقى بها في الآجل.
وكذلك السعي والجد والتدبير والحذر، إذا قدرت مهيئة لمطالبنا، موصلة إيانا الى مقاصدنا، مخرجة لكمالاتنا من القوة الى الفعل، فجعلت أسبابا لما يصل إلينا من أرزاقنا، وما قدر لنا من معايشنا، أو هيىء لنا في آخرتنا، أو لما يصرفه الله عنا من المكاره ويدفع عنا من المضار والمفاسد، لم يحصل ذلك إلا بها، وكانت تلك الوسائط أيضا مقدرة لنا، واجبة باختيارنا، كما قال عليه وآله السلام لمن سأله:
" هل يغني الدواء والرقية من قدر الله؟ قال: الدواء والرقية أيضا من قدر الله ".
ولما قال (عليه السلام): جف القلم بما هو كائن، قيل: ففيم العمل؟ فقال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق.
نامعلوم صفحہ