{ قل } يا محمد { إني نهيت } صرفت وزجرت بما ركب في من أدلة العقل وبما أوتيت من أدلة السمع عن عبادة ما يعبدون، قوله تعالى: { قل إني على بينة من ربي } أي على حجة ومعجزة { وكذبتم به } ، قيل: بالقرآن، وقيل: بالبينات، وقيل: بربكم { ما عندي ما تستعجلون به } الآية نزلت في النضر بن الحرث حين قال:
فأمطر علينا حجارة من السماء
[الأنفال: 32] وقيل: في الذين اقترحوا الآيات { إن الحكم إلا لله } الحكم الذي يفصل بين المحقين والمبطلين { يقص الحق } بالصاد معناه بقوله ويخبر وبالضاد المعجمة من القضاء، أي يفصل بالحق من الباطل { وهو خير الفاصلين } قوله تعالى: { لقضى الأمر بيني وبينكم } أي لفرغ من العذاب وهلكتم { والله أعلم بالظالمين } { وعنده مفاتح الغيب } قيل: خزائنه، وقيل: عنده ما يفتح للعباد من علم الغيب، وقيل: علم الغيب في قوله تعالى:
إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام
[لقمان: 34]، إلى آخر السورة، وقيل: علم نزول العذاب، وقال عطاء: ما غاب عنكم من الثواب والعقاب، وقيل: هي الآجال وقت انقضائها، وعن ابن مسعود: أوتي نبيكم علم كل شيء إلا علم الغيب { ويعلم ما في البر والبحر } قال مجاهد: البر القفار، والبحر كل قرية فيها ماء { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها } ، قيل: ما تسقط من ورق الأشجار، وما يبقى، وقيل: يعلم ما يؤكل وما يسقط { ولا حبة في ظلمات الأرض } ، قيل: حبة في أسفل الأرضين، وقيل: ما زرع { ولا رطب ولا يابس } قيل: هو مثل أراد به تعالى أنه عالم بجميع المعلومات، وقيل: الرطب الماء، واليابس الأرض، وقيل: ما نبت وما لم ينبت، وقيل: الرطب لسان المؤمن رطب بذكر الله تعالى، واليابس لسان الكافر، وقيل: الأشجار والنبات رطبها ويابسها، وروي في تفسير الثعلبي عن محمد بن اسحاق عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
" ما من زرع على أرض ولا أثمار على أشجار إلا مكتوب عليها بسم الله الرحمن الرحيم رزق فلان بن فلان "
وذلك قوله في محكم كتابه: { وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين } في اللوح المحفوظ، وقيل: ما تكتبه الملائكة من الأعمال، قوله تعالى: { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار } يعني ما كسبتم من الإثم { ثم يبعثكم فيه } أي يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الاثم بالنهار، وقيل: يبعثكم فيه يعني في النهار من النوم { ليقضى أجل مسمى } أي يبلغ المدة من الحياة والأجل { ثم إليه مرجعكم } وهو المرجع إلى الموقف والحساب { ثم ينبئكم } يخبركم ويجازيكم { بما كنتم تعملون }.
[6.61-69]
قوله تعالى: { وهو القاهر فوق عباده } بالقدرة { ويرسل عليكم حفظة } يعني الملائكة الذين يحفظون أعمال بني آدم { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا } يعني هم أعوان ملك الموت يقبضونه ثم يدفعونه إلى ملك الموت رواه في الثعلبي { وهم لا يفرطون } لا يقصرون ولا يضيعون وقرئ: لا يفرطون بالتخفيف يعني لا يجاوزن الحد { ثم ردوا إلى الله } يعني الملائكة وقيل: العباد { ألا له الحكم } يومئذ لا حكم فيه لغيره { وهو أسرع الحاسبين } لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره، روي أنه يحاسب جميع خلقه يوم القيامة بمقدار حلب شاة { قل } يا محمد { من ينجيكم من ظلمات البر والبحر } مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما، وقيل: أراد بالظلمات الشدائد والأهوال { تدعونه تضرعا وخفية } قرئ برفع الخاء وكسره وهما لغتان (تقولون لئن أنجيتنا من هذه الظلمات لنكونن من الشاكرين)، قوله تعالى: { قل الله ينجيكم منها } أي ينعم عليكم بالنجاة والفرح ويخلصكم من تلك الظلمات { ومن كل كرب } ومن كل غم { ثم أنتم تشركون } { قل } يا محمد { هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم } ، قيل: الذي من فوقكم هو الرجم كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة، وأرسل على قوم نوح الطوفان والرياح، كما أرسل على قوم عاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط { أو من تحت أرجلكم } كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وقيل: من فوقكم من قبل أكابركم وسلاطينكم ، أو من تحت أرجلكم من قبل سفلتكم وعبيدكم { أو يلبسكم شيعا } يعني أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى، واللبس اختلاط الأمر، يقال: لبست عليه الأمر خالطته والشيع: الفرق { ويذيق بعضكم بأس بعض } بأن يقتل بعضكم بعضا يعني بالسيوف المختلفة، فلما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" سألت الله أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف "
نامعلوم صفحہ