فإذا { عزمت فتوكل على الله } يعني: فإذا قطعت الرأي على شيء بعد المشاورة فتوكل على الله في إمضاء أمرك.
[3.160-168]
قوله تعالى: { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } كما نصركم يوم بدر فلا أحد يغلبكم { وإن يخذلكم } كما خذلكم يوم أحد { فمن ذا الذي ينصركم من بعده } وهذا تنبيه على أن الأمر كله لله وعلى وجوب التوكل عليه، قوله تعالى: { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ، قيل: هو خبر يعني أن المؤمن يتوكل على ربه، وقيل: هو أمر يعني فليكن اعتمادكم على ربكم وعلى وعده، قوله تعالى: { وما كان لنبي أن يغل } والغلول: الخيانة، قرأ ابن كثير وأبو عمرو يغل بفتح الياء وضم الغين على أن الفعل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أي: ما كان له ذلك وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين أي ما كان لنبي أن يخان أي تخونه أمته، وما كان أن يخون أي ينسب إلى الخيانة " والآية نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذها، وقيل:
" نزلت يوم أحد في الغنائم حين ترك الرماة المركز وطلبوا الغنيمة، وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أخذ شيئا فهو له ولا يقسم لنا شيئا، فقال لهم (صلى الله عليه وآله وسلم): " أظننتم أنا نغلل؟! "
ومعنى الغل الخيانة، ومعنى يغل بالضم يتهم، قوله تعالى: { أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله } الآية، قيل: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر باتباعه يوم أحد فتبعه المؤمنون وتخلف عنه جماعة من المنافقين، فنزلت الآية، قوله تعالى: { هم درجات عند الله } أي هم متفاوتون كما تتفاوت الدرجات، وقيل: ذو درجات والمعنى تفاوت منازل المثابين منهم ومنازل المعاقبين، والتفاوت بين الثواب والعقاب { والله بصير بما يعملون } عالم بأعمالهم ودرجاتهم فيجازيهم بها، قوله تعالى: { لقد من الله على المؤمنين } على من آمن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون ببعثه (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنفسهم من جنسهم عربيا مثلهم، وقرأت فاطمة (عليها السلام) من أنفسهم بفتح الفاء أي من أشرفهم { يتلو عليهم آياته } بعد ما كانوا أهل جهالة { ويزكيهم } ويطهرهم من دنس القلوب، وقيل: يأخذ منهم الزكاة { ويعلمهم الكتاب والحكمة } القرآن والسنة بعد ما كانوا أجهل الناس وأبعدهم عن دراسة العلوم { وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } ظاهر لا شبهة فيه، قوله تعالى: { أولما أصابتكم مصيبة } الآية نزلت يوم أحد يريد: ما أصابهم يومئذ من قتل سبعين { قد أصبتم مثليها } من قتل سبعين وأسر سبعين { قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم } يعني أنتم السبب لذلك لترككم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمركز، وقيل: لخروجكم من المدينة، وعن علي (عليه السلام): " لأخذكم الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤذن لكم " قوله تعالى: { وما أصابكم يوم التقى الجمعان } يعني: يوم أحد يوم التقى جمعكم وجمع المشركين فهو كائن بإذن الله يعني بعلمه { وليعلم المؤمنين } يعني: ليتميز المؤمنون من المنافقين وليظهر إيمان هؤلاء { وليعلم الذين نافقوا } الآية نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه وقيل لهم: { تعالوا قاتلوا في سبيل الله } أي دينه، قوله تعالى: { أو ادفعوا } دفعا عن أنفسهم وأهليهم وأموالهم فأبوا القتال، و { قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم } الآية، وقيل: أو ادفعوا العدو بتكثيركم سواد المجاهدين ولو لم تقاتلوا، لأن السواد مما يروع العدو { والله أعلم بما يكتمون } من النفاق، وقوله تعالى: { الذين قالوا لإخوانهم } الآية نزلت في عبد الله بن أبي لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد وإخوانهم في النسب وفي سكنى الدار، قوله تعالى: { وقعدوا } اي قالوا وقد قعدوا عن القتال { لو أطاعونا } إخواننا فيما أمرناهم من القتال وقعدوا لما قتلوا { قل فادرأوا عن أنفسكم الموت } معناه قل: { إن كنتم صادقين } في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتل فجدوا إلى دفع الموت سبيلا يعني أن ذلك الدفع غير مغن لكم، وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقا.
[3.169-174]
قوله تعالى: { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } الآية، قيل: نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين. وقيل: نزلت في شهداء أحد وكانوا سبعين رجلا أربعة من المهاجرين، منهم: حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه) وباقيهم من الأنصار وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
" لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها وتسرح في الجنة حيث شاءت وتأوي إلى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مقيلهم ومطعمهم ومشربهم وما أعد الله لهم من الكرامة قالوا: يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه حتى يرغبوا في الجهاد فقال الله: " أنا أبلغ عنكم إخوانكم ففرحوا واستبشروا "
فنزلت، وقيل: أحياء في قبورهم، وقيل: في الجنة، وقيل: أحياء في السماء، قوله تعالى: { ويستبشرون } يعني بإخوانهم المجاهدين { الذين لم يلحقوا بهم } أي لم يقتلوا، وقيل: لم يدركوا فضلهم، وقيل: أحياء وصف لحالهم التي عليها من النعم برزق الله { فرحين بما آتاهم الله من فضله } وهو التوفيق في الشهادة وما ساق إليهم من الكرامة والتفضل على غيرهم من كونهم أحياء مقربين، قوله تعالى: { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الآية نزلت يوم أحد روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء وهموا بالرجوع فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فرجع هو وأصحابه وقالوا: لا يخرجن معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، وكان بأصحابه القروح، فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله في قلب أبي سفيان وأصحابه الرعب فنزلت الآية، قوله تعالى: { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } الآية نزلت في أبي سفيان روي أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر للقتال إن شئت، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم ): " إن شاء الله " فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مر الظهران فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له وخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبعين راكبا يقولون { حسبنا الله ونعم الوكيل } وقيل: هي الكلمة التي قالها ابراهيم (عليه السلام) حين ألقي في النار حتى وافوا بدرا وأقاموا بها ثمان ليال وكان معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيرا ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين من بدر الصغرى، وقيل: الناس الأول نعيم بن مسعود الأشجعي، والناس الثاني أبو سفيان قيل: لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حمراء الأسد كما تقدم مر به سعد الخزاعي وهو يومئذ مشرك وكانت خزاعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسلمهم وكافرهم فقال: يا محمد لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك ثم خرج حتى لقي أبا سفيان ومن معه الروحاء، وقد أجمعوا على الرجعة فقال: يا معبد ما وراءك؟ قال: أن محمدا خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله يتحرقون عليكم تحرق قد اجتمع إليه كل من تخلف عنه يومكم وندموا على ما صنعوا قال: ويلك ما تقول؟ قال: والله ما أراك ترحل حتى ترى نواصي الخيل فقال: انا اجتمعنا الكرة لنستأصلهم، قال: فإني أنهاك عن هذا، ففر أبو سفيان ومن معه فمر به ركب من عبد القيس فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة، قال.
هل تبلغون محمدا رسالة حتى أحمل إبلكم هذه زبيبا بعكاظ، قالوا: نعم، قال: فإن جئتموه فأخبروه أنا قد اجتمعنا اليوم لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم بحمراء الأسد فأخبروه بقول أبي سفيان فقالوا: { حسبنا الله ونعم الوكيل } عن ابن عباس وابن اسحاق، وقيل: أن أبا سفيان لما خرج من مكة لموعد بدر الصغرى وبدا له فلقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرا فقال له: إني خرجت لموعد محمد وقد بدا لي فالحق بالمدينة وأعلمهم أني في جمع كثير، وضمنوا جعلا فخرج إلى المدينة والناس يتأهبون لميعاد أبي سفيان فأخبرهم بما أعد أبو سفيان فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
نامعلوم صفحہ