{ فاصبر لحكم ربك } أي دع كلامهم فإنه لا حجة فاصبر لما حكم الله عليك من آداء الرسالة { ولا تكن كصاحب الحوت } يعني يونس (عليه السلام) لأنه صار في بطن الحوت، وقيل: في خروجه من بين قومه بغير إذن حتى التقمه الحوت { إذ نادى } دعى ربه في جوف الحوت، وقيل: الذي نادى به { لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين } { وهو مكظوم } مغموم، وقيل: محبوس والكظم الحبس { لولا أن تداركه } ربه لحقه { نعمة من ربه } فبقاه في بطن الحوت وأخرجه حيا { لنبذ } طرح { بالعراء } والعراء الأرض الخالية من النبات { وهو مذموم } أي معه ما يلام به ولكن الله تعالى تداركه برحمته وأجاب دعاءه وخلصه من بطن الحوت، وقيل: تبقيته في بطنه حيا وأخرجه حيا { فاجتباه ربه } أي اختاره واصطفاه لنبوته { فجعله من الصالحين } قيل: أخبر بأنه منهم، وقيل: جعله فيهم يوم القيامة { وإن يكاد الذين كفروا } الآية نزلت في المشركين، أرادوا أن يبينوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصيبوه في العين، فنظر اليه قوم من قريش وقالوا: ما رأينا مثله، وقيل: كانت العين في بني أسد { ليزلقونك بأبصارهم } ، قيل: يرمونك، وقيل: يزيلونك، وقيل: يقتلونك يعني من شدة العداوة وقد عصمه الله تعالى { لما سمعوا الذكر } القرآن { ويقولون إنه لمجنون } { وما هو إلا ذكر للعالمين } قيل: القرآن، وقيل: محمد.
[69 - سورة الحاقة]
[69.1-8]
{ الحاقة } القيامة أي ما القيامة تفخيما لشأنها { وما أدراك ما الحاقة } وما يدريك بما ليس بمعلوم في جميع القرآن { كذبت ثمود } وهم قوم صالح { وعاد } قوم هود { بالقارعة } قيل: بالقيامة لأنها تقرع القلوب بأهوالها { فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } قيل: بالصيحة التي نزلت بهم والطاغية المتجاوزة في الفعل كل صيحة، وتسمى الصيحة طاغية لتجاوزها الحد، والمراد العذاب النازل بهم { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر } قيل: باردة وهي الريح الشديدة الصوت، ومنه صرصر الباب، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ما أرسل الله سفينة ريح إلا بمكيال، ولا قطرة مطر إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان فلم يكن لهم عليه سبيل " ثم قرأ: { إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } " وأما يوم عاد فعتت على الخوان فلم يكن لهم عليها سبيل " ثم قرأ: { بريح صرصر عاتية } "
ولعلها عبارة عن الشدة والإفراط، وقيل: عاتية مهلكة، وقيل: عتت على خزانها فجرت بلا كيل ولا وزن { سخرها } سلطها { عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما } قال وهب: هي التي تسمى للعرب أيام العجوز ذات برد ورياح شديدة، ونسبت إلى العجوز لأن عجوزا دخلت سربا فتبعتها فقتلتها اليوم الثامن وانقطع العذاب، وهي آخر الشتاء، والحسوم القاطعة كأنه يتابع عليهم الشر حتى استأصلهم، وقيل: { فترى القوم فيها صرعى } مصروعين هلكى { كأنهم أعجاز } قيل: أصول النخل { خاوية } خالية إلا خراب، وشبهوا قيل: شبهوا بذلك لعظم أجسامهم، وقيل: لما أرسل عليهم الريح قاموا واعتمدوا على أجلهم ليدفعوا الريح فزمعتهم بين السماء والأرض وأهلكتهم { فهل ترى لهم من باقية } أي ليس لهم باقية.
[69.9-24]
{ وجاء فرعون ومن قبله } قرئ بفتح القاف وسكون الباء نافع، أي من يقدمه من الأمم، وقرأ الكسائي وأبو عمرو بكسر القاف وفتح الباء، يعني ومن معه من أتباعه { والمؤتفكات } قرى قوم لوط انقلبت بهم { بالخاطئة } أي بالخطيئة والمعاصي فأخطأوا طريق الحق { فعصوا رسول ربهم } فيما أمرهم به { فأخذهم } الله { أخذة رابية } قيل: شديدة، وقيل: زائدة { إنا لما طغى الماء } أي جاوز الحد في المقدار طغى فوق كل شيء خمسة عشر ذراعا، وقيل: أكثر { حملناكم } أي حملنا آباءكم لأن الابن يخاطب بالشكر { في الجارية } أي السفينة، وقيل: السفينة ألف وثلاثمائة ذراع وعرضها ستمائة ذراع { لنجعلها لكم تذكرة } أي عظة تذكرونها، وقيل: تذكرون بها عظم نعم الله في انتقامه وإنجائه وبيان قدرته وحكمته { وتعيها أذن واعية } قيل: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنساه " أي يعني كل شيء ويعلم، وقيل: حافظ { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } قيل: أراد النفخة الأولى { وحملت الأرض والجبال } أي كسرتا قيل: صارا ترابا، وقيل: بسطتا بسطة واحدة، وقيل: ضرب بعضها ببعض حتى تفتت الجبال وسقتها الرياح وبقيت الأرض شيئا واحدا { فيومئذ وقعت الواقعة } أي قامت القيامة { وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } أي ضعيفة { والملك على أرجائها } نواحيها وأقطارها { ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } ثمانية منهم وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين "
وروي ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤوسهم مطرقون مسبحون، وقيل: بعضهم على صور الانسان، وبعضهم على صور الأسد، وبعضهم على صور الثور، وبعضهم على صور النسر، وروي: ثمانية أملاك على خلق الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين سنة، وعن الحسن: الله أعلم كم هم أثمانية أم ثمانية آلاف، وعن الضحاك: ثمانية صفوف لا يعلم عددهم إلا الله { يومئذ تعرضون } على ثلاث عرضات ثنتان فيهما جدال ومعاذير والثالث نشر الكتب فأخذ بيمينه وأخذ بشماله، والعرض للجزاء والمحاسبة { لا تخفى منكم خافية } لأنه تعالى يعلم سرهم وجهرهم { فأما من أوتي كتابه بيمينه } وهم المؤمنون { فيقول هاؤم اقرأوا كتابيه } قيل: تعالى اقرأوا كتابيه وهذا كلام من بلغ الغاية في السرور قيل: يدعو أهله وقراباته { إني ظننت } عاينت وأيقنت في الدنيا { اني ملاق حسابيه } ، قيل: انها لنظم رؤوس الآي، وقيل: للاستراحة { فهو في عيشة راضية } قيل: مرضية، وقيل: ذات رضا { في جنة عالية } رفيعة المكان { قطوفها دانية } ثمارها قريبة { كلوا واشربوا هنيئا } قيل: الهنيء المريء الذي ليس فيه ما يؤذي ولا يعقب إذا كالغائط والبول { بما أسلفتم } قدمتم { في الأيام الخالية } الماضية، يعني في الدنيا، وقيل: أيام الصوم، وقيل: أيام الخلوة، قال قتادة: أيامكم هذه أيام خالية تؤديكم إلى أيام باقية اعملوا فيها وقدموا خيرا، وقيل: كتاب المؤمن من نور وعليه خط من نور.
نامعلوم صفحہ