{ فاستفتهم } أي استخبرهم { أهم أشد خلقا } ، قيل: أراد كفار مكة، وقيل: نزلت في أيام الأسد بن كلدة، قيل: هذا سؤال تقرير، وقيل: سؤال توبيخ { أمن خلقنا } يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض والمشارق والكواكب والشهب الثاقب والشياطين، وقيل: أراد الأمم الماضية، وقيل: أهلكناهم بذنوبهم { إنا خلقناهم من طين لازب } أي لازم يعني آدم (عليه السلام) { بل عجبت } من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة وهم يسخرون منك ومن تعجبك، أو من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث { وإذا ذكروا لا يذكرون } إذا وعظوا لا يتعظون { وإذا رأوا آية } من آيات الله كانشقاق القمر وغيره { يستسخرون } يبالغون في السخرية { وقالوا إن هذا } القرآن وسائر ما يذكره الرسول { إلا سحر مبين } { أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون } { أو آباؤنا الأولون } أي كيف يبعث آباؤنا بعد أن صاروا ترابا { قل نعم وأنتم داخرون } صاغرون، والمعنى تبعثون وأنتم داخرون صاغرون { فإنما هي } جواب شرط مقدر تقديره إذا كان ذلك فما هي إلا { زجرة واحدة } وهي النفخة الثانية، والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الابل والغنم إذا صاح عليها { فإذا هم ينظرون } إحياء، وقيل: ينظرون إلى ما نزل بهم، وقيل: ينظر بعضهم إلى بعض: { وقالوا يا ويلنا } يدعون بالويل لما عاينوا من العذاب { هذا يوم الدين } يوم الجزاء والحساب، هذا من كلام الكفرة بعضهم لبعض إلى قوله: { احشروا الذين } أو يكون من كلام الملائكة بعضهم لبعض { هذا يوم الفصل } أي يوم يفصل الله بين عباده { الذي كنتم به تكذبون } يعني يكذبون الرسل { احشروا الذين ظلموا } الناس أو ظلموا الرسل بالتكذيب { وأزواجهم } أشباههم، وقيل: أتباعهم، وقيل: أزواجهم المشركات { وما كانوا يعبدون } { من دون الله } في الدنيا مثل الأصنام، وقيل: الشياطين الذين أطاعوهم { فاهدوهم } ، قيل: ادعوهم، وقيل: دلوهم { إلى صراط الجحيم } ، قيل: طريق النار { وقفوهم إنهم مسؤولون } ، قيل: هذه مساءلة توبيخ، وقيل: عن قول لا إلا إلا الله، وقيل: عن خطاياهم، وقيل: عن جميع أحوالهم وأفعالهم { ما لكم لا تناصرون } يقال لهم توبيخا: ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا في دفع العذاب؟ { بل هم اليوم مستسلمون } ، قيل: خاضعين عن ابن عباس، وقيل: منقادين { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } ، قيل: الاتباع والمتبوعون، وقيل: الانس على الجن { إنكم كنتم تأتوننا } أي من جهة النصيحة، وقيل: انتم صدتمونا { عن اليمين } أي أصحاب الجنة، وقيل: عن طريق الجنة { قالوا } الرؤساء مجيبين { بل لم تكونوا مؤمنين } { وما كان لنا عليكم من سلطان } أي قوة تكرهكم على الكفر { بل كنتم قوما طاغين } أي جاوزتم الحد في العصيان { فحق علينا قول ربنا } أي وجب علينا { إنا لذائقون } { فأغويناكم إنا كنا غاوين } فأردنا إغواءكم لتكونوا مثلنا.
[37.33-53]
{ فإنهم } فإن الاتباع والمتبوعين جميعا { يومئذ } يوم القيامة { في العذاب مشتركون } كما كانوا مشتركين في الغواية { إنا كذلك نفعل بالمجرمين } أي كذلك نجزي ونعذب { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } أي يتكبرون عن قول الحق { ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون } يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) { بل جاء بالحق } رد على المشركين { وصدق المرسلين } في الدعاء إلى التوحيد، وقيل: نبوتهم { إنكم } أيها الكافرون { لذائقوا العذاب الأليم } الوجيع { وما تجزون إلا ما كنتم تعملون } من المعاصي في الدنيا { إلا عباد الله المخلصين } الذين أخلصوا العبادة لله تعالى فاصطفاهم { أولئك لهم رزق معلوم } منعوت من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر، وقيل: معلوم الوقت كقوله:
ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا
[مريم: 62]، وعن قتادة: الرزق المعلوم الجنة { وهم مكرمون } معظمون { في جنات النعيم } { على سرر متقابلين } أي يقابل بعضهم بعضا { يطاف عليهم بكأس } إناء فيه شراب، وعن الأخفش: كل كأس في القرآن فهي الخمر وكذا في تفسير ابن عباس { من معين } وهو الجاري على وجه الأرض الظاهر للعيون { بيضاء } صافية في نهاية النظافة { لذة للشاربين } { لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون } ، قيل: لا تغتال العقول فتذهب بها، والغول ما غاله يغوله إذا أهلكه وأفسده، ومنه الغول التي في تكاذيب العرب، وفي أمثالهم: الغضب غول الحليم { ولا هم عنها ينزفون } أي لا ينزف عقولهم بالسكر من نزف الشارب إذا ذهب عقله، ويقال للسكران: نزيف ومنزوف، والمعنى لا فيها فساد قط من أنواع الفساد التي في شرب الخمر من مرض أو صداع أو خمار أو تأثيم أو غير ذلك ولا هم يسكرون { وعندهم قاصرات الطرف } قصرت أبصارهن على أزواجهن، والعين النجل العيون { كأنهن بيض مكنون } أي مصون شبههم ببيض النعام المكنونة في الاداح، وقيل: شبه لونهن بالبيض في البياض { فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } يعني أهل الجنة يسأل بعضهم بعض عما جرى لهم وعليهم: { قال قائل منهم إني كان لي قرين } أي صاحب في الدنيا، قيل: كان شيطانا، وقيل: كان من الإنس، ثم اختلفوا قيل: كانا أخوين، وقيل: شريكين، وقد تقدم خبرهما في سورة الكهف في قوله:
واضرب لهم مثلا رجلين
[الكهف: 32] الآية وكان أحدهما مؤمن يسمى ياهودا والآخر كافر اسمه فرطوس، وقيل: هذا في كل قرين شر يصاحب مسلما يقول القرين: { أئنك لمن المصدقين } بالبعث { أئذا متنا وكنا ترابا } في الأرض { وعظاما } بالية { أئنا لمدينون } لمجزيون من الدين وهو الجزاء.
[37.54-74]
قال هذا المؤمن: { هل أنتم مطلعون } إلى النار لأريكم ذلك القرين { فاطلع } هذا المؤمن فرأى قرينه { في سواء الجحيم } في وسط النار، وقيل: القائل الله عز وجل، وقيل: بعض الملائكة تقول لأهل الجنة: هل تحبون أن تطلعون؟ { قال تالله إن كدت لتردين } { ولولا نعمة ربي } أي ما أنعم به علي من اللطف والهداية { لكنت من المحضرين } في النار كما حضرت في النار ثم زاد في التوبيخ فقال: { أفما نحن بميتين } { إلا موتتنا الأولى } في الدنيا { إن هذا لهو الفوز العظيم } { لمثل هذا فليعمل العاملون } يعني مثل هذا الثواب والفوز { أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم } ، قيل: لما نزلت هذه الآية قالت صناديد قريش: كيف يكون في النار شجر والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعرى: قال لهم: أن محمدا يخوفنا بالزقوم، فأدخلهم أبو جهل بيته وقال: يا جارية زقمينا، فأتاهم بالزبد والتمر فقال: تزقموا فهذا ما وعدكم محمد، أذلك خير يعني هذا الذي ذكرناه أم نعيم الجنة { أم شجرة الزقوم } في النار { إنا جعلناها فتنة للظالمين } أي تلك الشجرة محنة وعذابا لهم في الآخرة، وروي نابتة لهم { في أصل الجحيم } { طلعها } أي ثمرها { كأنه رؤوس الشياطين } وروي أنه شبه برأس حية تسمى شيطانا عند العرب كريهة المنظر، قال الحسن: أصلها في قعر الجحيم وأغصانها في الدركات، والطلع النخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم، وشبه برأس الشياطين دلالة على تناهيه في الكراهة وقبح المنظر لأن الشيطان مكروه ومستقبح في طباع الناس، لاعتقادهم أنه شر فيقولون في القبيح الصورة كأنه وجه شيطان، كأنه رأس شيطان، وقيل: أنه شبه بنبت يعرف برؤوس الشياطين وهي شجرة قبيحة { فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون } لما يغلبهم من الجوع الشديد، أو يقسرون على أكلها وان كرهوا ليكون بابا من العذاب، فإذا عطشوا غلبهم العطش فيسقون شرابا من غساق { ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم } خلطا ومزاجا، والشوب خلط الشيء بما ليس منه وهو شر منه يشربه، وقيل: شراب من حميم أي من ماء حار { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } ، قيل: يكونون بمعزل من النار عند شراب الزقوم فيعذبون ثم يصيرون إلى النار { إنهم ألفوا آباءهم ضالين } أي وجدوا آباءهم ضالين عن الحق { فهم على آثارهم يهرعون } أي آثار آبائهم إلى النار، وقيل: قد رأوا آباءهم في الشرك وأسرعوا فيه تقليدا { ولقد ضل قبلهم } قبل قريش { أكثر الأولين } { ولقد أرسلنا فيهم منذرين } أنبياء حذروهم العواقب { فانظر كيف كان عاقبة المنذرين } الذين أنذروا وحذروا أي أهلكوا جميعا { إلا عباد الله المخلصين } الذين آمنوا وأخلصوا دينهم لله.
[37.75-97]
نامعلوم صفحہ