{ أم يقولون افتراه قل } يا محمد إن كان الأمر على ما تزعمون { فأتوا } أنتم على وجه الافتراء { بسورة مثله } فأنتم مثلي في العربية والفصاحة { وادعوا من استطعتم من دون الله } أي من استطعتم من خلقه { إن كنتم صادقين } أنه افترى، وقيل: من استطعتم الى معاونتكم على المعارضة، وقيل: من تعبدونه من دون الله { بل كذبوا } سارعوا إلى التكذيب بالقرآن { بما لم يحيطوا بعلمه } ، قيل: بأن يتدبروه، فيقفوا على معانيه وتأويله وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم ويجوز أن يكون معنى { ولما يأتهم تأويله } تأويل ما فيه من الأخبار بالعيون فيسرعون إلى التكذيب به من قبل أن ينظروا في نظمه وبلوغه، وقيل: تفسيره وما يؤول اليه، وقيل: عاقبة ما وعدوا به من الوعيد والتأويل ما يؤول اليه الأمر { كذلك كذب الذين من قبلهم } أي مثل هذا التكذيب كذب الذين من قبلهم يعني قبل النظر في معجزات الأنبياء، وقيل: يتدبروها من غير انصاف من أنفسهم ولكن قلدوا الآباء وعاندوا، وقيل: هو في الذين كذبوا وهم شاكون { ومنهم من يؤمن به } أي يصدق به في نفسه، ويعلم أنه حق ولكنه يعاند بالتكذيب، ومنهم من شك به ولا يصدق به في نفسه، أو يكون للاستقبال أي منهم من سيؤمن به ومنهم من سيصر { وربك أعلم بالمفسدين } بالمعاندين والمصرين { وإن كذبوك } أي وإن تمنوا على تكذيبك { فقل لي عملي ولكم عملكم } تبرأ منهم وحلهم فقد أعذرت، وقيل: هي منسوخة بآية السيف { ومنهم من يستمعون إليك } معناه ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع ولكنهم لا يعون ولا يقبلون، وناس ينظرون ويعاينون { أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون } يعني أنهم في الناس من أين يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمى الذين لا عقول لهم ولا بصائر، وقوله: { أفأنت } دلالة على أنه لا يقدر على اسماعهم وهدايتهم إلا الله تعالى بالقسر والالجاء كما لا يقدر على رد الأصم والأعمى إلا الله تعالى، قوله تعالى: { إن الله لا يظلم الناس شيئا } أي لا ينقصهم شيئا مما يتصل بمصالحهم من بعثه الرسل وإنزاله الكتب { ولكن الناس أنفسهم يظلمون } بالكفر والتكذيب ويجوز أن يكون وعيدا للمكذبين، يعني لا يظلم الناس بالعقوبة، ولكن ظلموا أنفسهم بأن فعلوا ما استحقوا به العقاب، وقيل: لا ينقص من حسناتهم ولا يزاد في سيئاتهم { ويوم يحشرهم } يجمعهم من كل مكان إلى الموقف جميعا { كأن لم يلبثوا الا ساعة من النهار } ، قيل: لم يلبثوا في الدنيا، وقيل: لم يلبثوا في قبورهم لهول ما يرون { يتعارفون بينهم } يعرف بعضهم بعضا كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلا وذلك عند خروجهم من قبورهم ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم { وأما نرينك بعض الذي نعدهم } في الدنيا { أو نتوفينك } فنحن نريك في الآخرة { ثم الله شهيد على ما يفعلون } فهو يعاقبهم على ذلك { ولكل أمة رسول } يبعث إليهم ينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق { فإذا جاء رسولهم } بالبينات كذبوه ولم يتبعوه { قضي بينهم } أي بين النبي ومكذبيه { بالقسط } أي بالعذاب فأنجى الرسول وعذب المكذبون أو يكون المعنى لكل أمة من الأمم رسول يوم القيامة تنسب إليه فإذا جاء رسولهم قضى بينهم في الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان قضي بينهم { ويقولون متى هذا الوعد } الذي تعدنا به من البعث وقيام الساعة.
[10.49-58]
{ قل لا أملك لنفسي ضرا } من مرض أو فقر { ولا نفعا } من صحة أو غنى { إلا ما شاء الله } استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله من ذلك فهو كائن { لكل أمة أجل } يعني أن عذابكم له أجل عند الله وحد محدود من الزمان { إذا جاء أجلهم } إلى آخرها يعني بل يهلكهم الله في ذلك الوقت من غير تقديم ولا تأخير { قل } يا محمد لهؤلاء المكذبين { أرأيتم } أعلمتم استفهام والمراد التقرير { ان أتاكم عذابه بياتا } أي ليلا { أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون } يعني أي شيء يستعجل منه المجرم وما الذي يحصل له منه { أثم إذا ما وقع } أي نزل بهم وحل ما استعجلوه { آمنتم به } في وقت اليأس، قيل: بالله، وقيل: بالقرآن وصدق وعيده { الآن } إضمار تقديره وقيل لكم الآن تصدقون به { وقد كنتم به تستعجلون } تكذبون { ويستنبئونك } أي يستخبرون ويطلبون منك الخبر يا محمد ما جئت به من النبوءات والقرآن والشرائع، وقيل: ما تعدنا به من البعث والقيامة { قل } يا محمد { إي وربي إنه لحق } أي كائن لا شك فيه، قوله تعالى: { وما أنتم بمعجزين } يعني ما أنتم بفائتين، وقيل: غالبين { ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به } أي ولو أن لكل نفس ظالمة ما في الأرض أي ما في الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها ومنافعها على كثرتها لافتدت به ولكن لا يقبل الفداء منها وإن كثر { وأسروا الندامة } ، قيل : أخفوا الندامة على ما سلف منهم من الكفر، وقيل: رؤساء الضلال أخفوها من الاتباع، وقيل: أسروا الندامة أظهروا الندامة { لما رأوا العذاب } أي عاينوا ذلك { وقضي بينهم } حكم وفصل الأمر بينهم، وقيل: بين المؤمنين والكافرين، وقيل: بين الرؤساء والأتباع { ألا إن لله ما في السموات والأرض } خلقا وملكا { الا ان وعد الله حق } لا خلف فيه { ولكن أكثرهم لا يعلمون } قوله تعالى: { يأيها الناس } خطاب جامع لكل المكلفين { قد جاءتكم موعظة من ربكم } يعني القرآن { وشفاء لما في الصدور } أي دواء من العقائد الفاسدة ودعاء إلى الحق، ورحمة لمن آمن به، يعني بالقرآن بالإجماع { قل } يا محمد { بفضل الله } الاسلام { وبرحمته } القرآن وعن ابن عباس: بفضل الله القرآن وبرحمته الاسلام، وقيل: بفضل الله الدين وبرحمته ان جعلكم من أهله، وقيل: بفضل الله القرآن وبرحمته السنن، وعن أنس (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:
" من هداه الله للاسلام وعلمه القرآن ثم شكا الفاقة كتب الله الفقر بين عينيه إلى يوم القيامة ".
[10.59-64]
{ قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق } ، قيل: خلق لكم من أنواع الأرزاق، وقيل: أنزل من السماء الماء فأخرج به الأرزاق { فجعلتم منه حراما وحلالا } فالحرام ما حرموه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، والحلال ما استحلوا من غير إباحة شرعية، وقيل: حراما على النساء حلالا للرجال كقوله: { وقالوا ما في بطون هذه الأنعام } إلى آخرها يعني أنكم بعضتموه وقلتم: هذا حلال وهذا حرام نحو قوله تعالى:
هذه أنعام وحرث حجر
[الأنعام: 138] الآية { قل آلله اذن لكم } أي أخبروني هل الله أذن لكم في التحليل والتحريم فأنتم تفعلون ذلك بإذن { أم } أنتم { تفترون } أي تكذبون على الله تعالى في نسبه ذلك إليه { وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ان الله لذو فضل على الناس } حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بالوحي وتعليم الحلال والحرام { ولكن أكثرهم لا يشكرون } هذه النعمة ولا يتبعون ما هدوا إليه { وما تكون في شأن } الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: أراد المكلف في شأن أي في عمل من الأعمال، وقيل: في شأن من الدنيا والدين { وما تتلو منه } أي ما تقرأ منه، قيل: من القرآن، وقيل: من الشأن في القرآن، وقيل: منه أي من الله تعالى { ولا تعملون من عمل } خطاب للمكلفين، قوله تعالى: { الا كنا عليكم شهودا } ، قيل: حافظا وشاهدا عليكم حتى نشهد يوم القيامة ثم نجازيكم به، وقيل: شاهدين رقباء نحصي عليكم { إذ تفيضون فيه } من أفاض في الأمر إذا اندفع فيه والهاء عائدة على العمل، وقيل: هو القرآن يعني يقولون في القرآن الكذب { وما يعزب عن ربك } أي ما يغيب عنه { من مثقال ذرة } أي من وزن ذرة وهي الذرة الحمراء الصغيرة { إلا في كتاب مبين } ، وقيل: اللوح المحفوظ، وقيل: في كتاب الحفظة، وفيه ترغيب وترهيب وأنه لا يخفى عليه شيء فيجازيكم بجميع أعمالكم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، قيل: هم المتحابون في الله تعالى في خبر مرفوع، وقيل: هم { الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا } ما بشر الله به المتقين في غير مكان من القرآن وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له "
، وقيل: محبة الناس له والذكر الحسن وعن عطاء لهم البشرى عند الموت تأتيهم الملائكة بالرحمة، قال الله تعالى:
نامعلوم صفحہ