[الشعراء: 189]، قوله تعالى: { كأن لم يغنوا فيها } كأن لم يعيشوا ولم ينزلوا ولم يقيموا، وقال: { يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي } ، قيل: قاله قبل نزول العذاب، وقيل: قاله لمن بقي معه من المؤمنين، قوله تعالى: { فكيف آسى } أي أحزن.
[7.94-102]
{ وما أرسلنا في قرية من نبي } فيه اضمار واختصار يعني فكذبوه { إلا أخذنا أهلها } حين لم يؤمنوا { بالبأساء } يعني البؤس والشدة وضيق العيش والفقر { والضراء } الضراء والمرض لاستكبارهم عن اتباع نبيهم { لعلهم يضرعون } يتذللون ويحطون رداء الكبر { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء والمحنة الرخاء والسعة والصحة { حتى عفوا } كثروا وسمنوا ونموا في أنفسهم وأموالهم { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء } وقالوا هذه عادة الدهر تعاقب في الناس من الضراء والسراء وقد مس آباءنا نحو ذلك. { فأخذناهم بغتة } أي فجأة أمن ما كانوا { وهم لا يشعرون } نزول العذاب { ولو أن أهل القرى } يعني أهل تلك القرى الذين كذبوا { آمنوا واتقوا } المعاصي { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } يعني لآتيناهم الخير من كل وجه، وقيل: من السماء المطر، ومن الأرض النبات والخصب، ورفعنا عنهم القحط { ولكن كذبوا فأخذناهم } بالعقوبة { بما كانوا يكسبون } من المعاصي والأعمال الخبيثة { أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا } عذابنا { بياتا } ليلا { وهم نائمون } غافلون عن ذلك { أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى } عند ارتفاع النهار { وهم يلعبون } ساهون لاهون أراد ألا يأمنوا الليل والنهار، قوله تعالى: { أفأمنوا مكر الله } عذابه وأخذه من حيث لا يشعرون { فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون } من خسر في الدنيا دينه وفي الآخرة وجب له العذاب { أو لم يهد للذين يرثون الأرض } يعني للذين يخلفون من خلا من قبلهم في ديارهم ويرثونهم أرضهم { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } كما أصبنا من قبلهم وأهلكنا الوارثين كما أهلكنا الموروثين { ونطبع } نختم { على قلوبهم فهم لا يسمعون } الهدى ولا يقبلون الموعظة { تلك القرى } يعني التي أهلكنا وقد تقدم ذكرها { نقص عليك } أي نتلو عليك { من أنبائها } أخبارها ليعتبروا بأحوالهم ولا يغتروا كاغترارهم { ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات } بالحجج المزيلة للأشكال القاطعة للعذر { فما كانوا ليؤمنوا } فيه تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعظة للخلق، قال الثعلبي: فما كانوا ليؤمنوا لو أحييناهم بعد هلاكهم كقوله تعالى:
ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه
[الأنعام: 28] وقيل: معناه أن كل نبي أنذر قومه بالعذاب { فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل } ، أوائلهم من الأمم الخالية بل كذبوا كما كذب أولهم { كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين } ، قيل: هي السمة والعلامة التي تحصل في قلوبهم علامة الكفر { وما وجدنا لأكثرهم } أي أكثر من تقدم ذكرهم، وقيل: هو على الاطلاق أي ما وجدنا لأكثر الناس { من عهد } بل أكثرهم نقض عهد الله وميثاقه { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } خارجين عن الطاعة والعهد وهو ما أمر الله به وأوصى به الأنبياء ألا تعبدوا إلا الله ولا تشركوا به شيئا.
[7.103-114]
{ ثم بعثنا من بعدهم موسى } من بعد الأنبياء تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقيل: بعد الأمم التي تقدم ذكرها بين تعالى قصة موسى وما جرى له من فرعون، فأما قصة العصا فقيل: كان أعطاه ملك حين توجه إلى مدين، وقيل: كان عصى آدم من آس الجنة تدور في أولاده حتى انتهت إلى شعيب، ثم إلى موسى (عليه السلام)، فخرج موسى بأمر الله تعالى متوجها إلى مصر وقال ما حكاه الله تعالى عند قوله تعالى: { وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين } روي أنه لما قال موسى ذلك، قال: كذبت، فقال: { حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق } ، قوله تعالى: { فأرسل معي بني اسرائيل } فخلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم وموالد آبائهم، وذلك أن يوسف (عليه السلام) لما توفى وانقرضت الأسباط غلب فرعون نسلهم واستبعدهم فأنقذهم الله تعالى بموسى (عليه السلام) وكان بين اليوم الذي دخل فيه يوسف وبين اليوم الذي دخل فيه موسى (عليه السلام) أربع مائة عام، وروي في الثعلبي أيضا أن فرعون موسى كان فرعون يوسف فقال فرعون مجيبا لموسى (عليه السلام): إن كنت نبيا فأت بآية { إن كنت من الصادقين } ، قوله تعالى: { فألقى } الآية، وروي أنه كان ثعبانا ذكرا أشعرا فاغرا فاه بين لحيته ثمانون ذراعا، فوضع لحيه الأسفل في الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر، ثم توجه نحو فرعون ليأخذه، فوثب فرعون من سريره وهرب وأحدث ولم يكن أحدث قبل ذلك وهرب الناس وصاحوا، وحمل عليهم فانهزموا ومات منهم خمسمائة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا، ودخل فرعون البيت وصاح: يا موسى خذه وأنا أؤمن بك وأرسل معك بني إسرائيل فأخذه موسى فعاد عصا، وروي أنه أرى فرعون يده فقال: ما هذه؟ قال: يدي، ثم أدخلها في جيبه وعليه مدرعة من صوف ونزعها { فإذا هي بيضاء للناظرين } ، قيل: كان منها شعاع الشمس فعند ذلك { قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم } أي عالم بالسحر { يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون } هذا من قوم فرعون للملأ فأجابوه { قالوا أرجه وأخاه } يعني أخرهما وأصدرهما عنك، وقيل: احبسهما { وأرسل في المدائن حاشرين } وكان له مدائن فيها السحرة إذا أحزنه أمر أرسل اليهم قوله تعالى: { يأتوك بكل ساحر عليم } مثله في العلم فعند ذلك الأمر استدعى بالسحرة فقال تعالى: { وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وانكم لمن المقربين } وروي أنه قال لهم تكونوا أول من يدخل علي وآخر من يخرج وهو التقريب والتعظيم، وروي أنه دعا برؤساء السحرة ومعلمهم فقال لهم: ما صنعتم؟ فقالوا: قد فعلنا سحرا لا يطيقه سحرة الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء فلا طاقة لنا به، وروي أنه كانوا ثمانين ألفا، وقيل: سبعين ألفا، وقيل: بضعة وثلاثين ألفا.
[7.115-126]
{ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين } فيه ما يدل على أن رغبتهم أن يلقوا قبله { فلما ألقوا } يعني ألقت السحرة حبالهم وعصيهم وكانوا قد صوروا شبه الحياة العظيمة، وروي أنهم أتوا حبالهم وعصيهم وخشبهم وجعلوا فيها ما يوهم الحركة، قيل: جعلوا فيها الزئبق، وروي الثعلبي أنهم ألقوا حبالا غلاظا، وخشبا طوالا، فإذا هي حيات كأمثال الجمال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا { واسترهبوهم } أي أرادوا إرهابهم بذلك { وجاؤوا بسحر عظيم } أي تمويه لم يكن من جنسه أعظم منه، وقيل: عظيم عند الناس { وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف } أي تبتلع { ما يأفكون } أي ما يكذبون، وقيل: يعلمون ويزورون على الناس، وروي أنها لما تلقفت ملء الوادي من الخشب والحبال ورفعها موسى فعادت عصا كما كانت، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة، وروي أن حبالهم وعصيهم كانت حمل ثلاثمائة بعير ولما أكلت سحرهم كله قالت السحرة: لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا فذلك قول الله تعالى: { فوقع الحق } أي ظهر { وبطل ما كانوا يعملون } من السحر { فغلبوا هنالك وانقلبوا } وانصرفوا { صاغرين } وصاروا أذلاء مقهورين { وألقي السحرة ساجدين } سجدوا لما عاينوا تلك الآية العظيمة، قوله تعالى: { قالوا آمنا برب العالمين } يعني صدقنا برب العالمين خالقهم ومدبرهم { رب موسى وهارون } يعني الذي يدعون إلى الإيمان به { إن هذا لمكر } صنع وخديعة { مكرتموه } وصنعتموه أنتم وموسى { في المدينة } أي مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع { لتخرجوا منها أهلها } بسحركم { فسوف تعلمون } ما أفعل بكم { لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف } وهو أن يقطع من كل شق طرفا، وقيل: أول من قطع وصلب فرعون، قالوا: يعني السحرة لفرعون مجيبين عن وعده { قالوا إنا إلى ربنا منقلبون } إلى جزائه وحكمه صائرون، وقيل: قالوا: لا بد لنا من موت، وقيل: الذي توعدنا به نحن صابرون اليه ثم فرعوا إلى الله تعالى فقالوا: { ربنا أفرغ علينا صبرا } أنزل علينا صبرا حتى لا نرجع { وتوفنا مسلمين } واقبضنا على دين موسى فأصبحوا كفارا سحرة وأمسوا شهداء بررة.
[7.127-132]
نامعلوم صفحہ