436

{ و } الله { لئن أطعتم بشرا } فيما يأمركم من تلبيساته وتغريراته مع أنه { مثلكم إنكم } في إطاعتكم وانقيادكم لبني نوعكم { إذا لخاسرون } [المؤمنون: 34] خسرانا غظيما لا خسران أعظم منه؛ إذ هو خسران العقل والإدراك، وتذليل النفس العزيزة بمثله تغريرا. { أ } تسمعونه وتقبلون منه إيها المجبولون على الدربة والدارية ما { يعدكم } من الخرافات المستبعدة عن الإدراكات، وذلك { أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما } رفاتا بحيث تفرقت أجزاؤكم إلى أن صارت هباء وعدما صرفا { أنكم مخرجون } [المؤمنون: 35] بعد هذا من التراب، معادون إلى ما كنتم عليه؟!.

[23.36-44]

{ هيهات هيهات } أي: بعد بعدا تاما، واستحال استحالة شديدة { لما توعدون } [المؤمنون: 36] من البعث بعد الموت والوجود بعد العدم والإعادة بعد الإماتة.

{ إن هي } أي: ما الحياة لنا أيها العقلاء { إلا حياتنا } الت يهي { الدنيا } إذ وجودنا وعدمنا مقصور على ما هو فيها { نموت } ونعدم بعد الوجود فيها { ونحيا } ونوجد بعد العدم أيضا فيها { و } بالجملة: { ما نحن بمبعوثين } [المؤمنون: 37] منشرين أحياء بعدما متنا فيها، كما نشاهد من سائر الأشياء؛ يعني: لا منزل لنا سوى الدنيا حياتنا فيها وموتنا فيها لا دار لنا غيرها.

{ إن هو } أي: ما هو المدعى الكاذب { إلا رجل افترى } ونسب { على الله كذبا } ومراء عنه أنه أرسلني الله وأوصاني بكذا وكذا، وما هي إلا مختراعات اخترعها ن تلقاء نفسه { و } بالجملة: { ما نحن له بمؤمنين } [المؤمنون: 38] بمجرد هذه الدعوى، وإن أثبتها أيضا؛ إذ هو بشر مثلنا ولا رسالة للبشر من الله إلى البشر.

وبعد يأسه من إيمانهم أخذ في الدعاء عليهم، مشتكيا إلى الله؛ حيث { قال رب انصرني بما كذبون } [المؤمنون: 39] أي: عذبهم بتكذيبهم إياي؛ إذ تكذيبي مسلتزم لتكذيبك يا ربي.

{ قال } سبحانه: اصبر ولا تستعجل في انتقامهم أهم { عما قليل } أي: عن زمان قليل { ليصبحن نادمين } [المؤمنون: 40] عما فعلوا من التكذيب والإنكار.

{ فأخذتهم الصيحة } الهائلة من جانب السماء بغتة، قيل: صاح عليهم جبريل عليه السلام صيحة هائلة، بعدما تعلق إرادته الله بإهلاكهم ملتبسا { بالحق } أي: بالعذاب الثابت المحقق الواجب وقوعه { فجعلناهم } وصيرنا أجسادهم { غثآء } أي: كالغثاء الذي يسيل به الماء، وهو الزبد والحشائش التي يذهب بها الماء { فبعدا للقوم الظالمين } [المؤمنون: 41] أي: بعدما صاروا كذلك، قيل في حقهم: بعد بعدا وطردا للقوم اللظالمين الخارجين عن مقتضى أوامر الله ونواهيه، النازلة منه سبحانه على ألسنة أنبيائه ورسله.

{ ثم أنشأنا من بعدهم } وانقراضهم { قرونا آخرين } [المؤمنون: 42] يعني: قوم صالح ولوط وشعيب وغيرهم من الأمم الهالكة على الكفر والعناد بسبب تكذيب الرسل وكتبهم.

وبالجملة أهلكناهم؛ بحيث { ما تسبق من أمة أجلها } أي: ما تستعجل وتستقدم أمة منهم أجلها الذي عينا لإهلاكها ، وقدرنا هلاكهم فيه { وما يستأخرون } [المؤمنون: 43] أيضا: لا يسمع لهم الاستقدام والاستئخار في المدة المقدرة المعينة لهلاكهم.

نامعلوم صفحہ