[غافر: 39]
فاعتبروا يأولي الأبصار
[الحشر: 2]، فكيف لا يمحقه، ولا يلحقه بالعدم { فإذا هو } في نفسه وفي حد ذاته { زاهق } هالك زائل ما شم رائحة الوجود { ولكم الويل } والهلكة أيها الواصفون والجاهلون بقدر الله { مما تصفون } [الأنبياء: 18] ذاته من الأمور التي لا تليق بجنابنا من ارتكاب العبث، وإسناد اللهو واللعب بذاته تعالى، وإشراك هذه الأظلال الهالكة معه في الوجود، تعالىعن ذلك علوا كبيرا.
[21.19-24]
{ و } كيف تشركون أيها المشركون معه أضلاله وعبيده؛ إذ { له } تعالى إيجادا وإبداعا وإظهارا وتصرفا { من في السموت } أي: عالم الأرواح المجردة عن الأبدان { و } من في { الأرض } أي: الأرواح المتعلقة بها { و } كذا { من عنده } من الأرواح التي لا تزول لهم ولا عروج، كلهم متذللون { لا يستكبرون عن عبادته } وإطاعته { ولا يستحسرون } [الأنبياء: 19] ولا يعيون ع إقامتها وإتيانها.
{ يسبحون اليل والنهار } أي: ينزهون الله في جميع أوقاتهم عما لا يليق بجنابه { لا يفترون } [الأنبياء: 20] ولا يظهرون الضعف والعناء، بل أقاموها وواظبوا عليها طائعين متذللين خاشعين خاضعين.
وكيف لا يعبدون الله ولا يسبحونه وهم موحدون مخلصون؟ لا المشركون المعاندون الذين اتخذوا آلهة من السماء كعبدة الكواكب { أم اتخذوا } بل اتخذوا { آلهة من الأرض } هو أفحش من ذلك كعبدة الأوثان والأصنام اتخذوها آلهة وعبدوها كعبادة الله، وادعوا ضمنا أن الهتهم التي نحتوها بأيديهم أو صاغوها من حليهم { هم ينشرون } [الأنبياء: 21] أي: يخرجون الموتى من قبورهم، لأنهم آلهة وعبدوها كعبادة الله، والإله لا بد وأن يقدر على جميع المقدورات والمرادات ومن جملتها النشر، بل من أجلها، فلا بد لهم أن ينشروا فكيف يثبتون أولئك المشركون تعدد الآلهة مع أنه { لو كان فيهمآ } أي: في السماء والأرض { آلهة إلا الله } أي: غير الله الواحد القهار للأغيار مطلقا { لفسدتا } واختل نظامها، ولم يبقا على الهيئة المخصوصة المشاهدة ألبتة، إذ المفهوم من الإلهة هو المستقل في التصرف والآثار بالإرادة والاختيار، فكل من الآلهة المتعددة متصف بجميع أوصاف الألوهية بالاستقلال، فلا يمكن اتفاقهم على أمر من الأمور { فسبحان الله } الواحد الأحد الصمد المستقل في الألوهية والربوبية بلا شريك له في ملكه، بل في الوجود والتحقق { رب العرش } أي: عروش جميع المظاهر المستولي عليها، إذ لا ظهور لها إلا منه { عما يصفون } [الأنبياء: 22] من اتخاذ الولد والشريك والصاحبة والنظير، لتوحيده في الوجود واستقلاله في التصرف.
{ لا يسأل عما يفعل } إذ لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه { وهم } أي: الشركاء الباطلة { يسألون } [الأنبياء: 23] عما صدر عنهم، فكيف تليق لهم الألوهية والشركة معه سبحانه وتعالى شأنه عما يصف الواصفون، وجل جلال قدسه عما نسب إليه الجاحدون والمكابرون.
ومع علو شأنه ووضوح برهانه وظهور وحدة ذاته واستقلاله في ألوهيته وربوبيته، ترددوا فيه، وفي توحيده { أم اتخذوا } أي: بل قد أخذوا { من دونه آلهة } شركاء له سبحانه لا واحدا، بل متعددا وعبدوها كعبادته سبحانه ظلما وزورا وجهلا وعنادا { قل } يا أكمل الرسل إلزاما لهم وتبكيتا: { هاتوا } أيها المشركون المثبتون لله الواحد الأحد الصمد شريكا { برهانكم } على وجود آلهة سواه عقلا أو نقلا إن كنتم من ذوي الألباب وأهل العقد والرشاد، ولا سبيل لكم إلى الدليل العقلي، إذ برهان التمانع قطع عرق الشركة بالمرة، ولا إلى النقل، إذ جميع الكتب الإلهية متطابقة في توحيد الحق، ونفي الشرك عنه سبحانه إذ { هذا } الكتاب الجامع لجميع ما في الكتب السالفة المنزلة علي { ذكر من معي } أي: عظة وتذكير يذكر من معي من المؤمنين من أصحابي { وذكر من قبلي } من أمم الأنبياء الماضيين لو صدقوه وقبلوا ما فيه، لكنهم لا يصدقونه ليهديهم إلى الحق { بل أكثرهم } جاهلون { لا يعلمون الحق } ولا يعرفون الحق الصريح الظاهر في الآفاق بلا سترة وحجاب { فهم } لغلظ حجبهم وكثافة غشاوتهم { معرضون } [الأنبياء: 24] عن الحق منكرون له،
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور
نامعلوم صفحہ