{ وقالوا } من غاية شقاقهم ونفاقهم معك: إن كان نبيا { لولا } هلا { أنزل عليه ملك } ويصدقه بنبوته فنصدقه، قل لهم في جوابهم نيابة عنا: { ولو أنزلنا ملكا } على مقتضى سنتنا في الأمم الماضية { لقضي الأمر } أي: لتحقق أمر إهلاكهم البتة { ثم } بعد نزول الملك بل تعذبون كالأمم السالفة { لا ينظرون } [الأنعام: 8] ولا يمهلون ساعة ولينكرون ويعذبون البتة.
[6.9-11]
{ و ملكا } بعد ذلك أيضا { لو جعلنه } أي: الرسول المنزل إليهم { لجعلنه رجلا } أي: على صورته؛ إذ لا يمكن لبشر أن يرى الملك على صورته لمهايته، لذلك ما جاء جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على صورة دحية الكلبي ، وأيضا لم يكنهم الاستفادة منه لعدم الجنسية { و } إن أنزلناه على صورة البشر { للبسنا } أي: لخلطنا { عليهم ما يلبسون } [الأنعام:9] ما يخلطون على أنفسهم من البشر لا يليق بالرسالة فلم يصدقوه أيضا.
{ و } لا تغمم ولا تضطرب يا أكمل الرسل من استهزائهم وستخريتهم معك واصبر على أذاهم فإنه { لقد استهزىء برسل من قبلك } فصبروا على ما كذبوا واستهزئوا { فحاق } وأحاط من الجوانب { بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون } [الأنعام: 10] فأهلكوا واستؤصلوا بما استهزءوا وإن أنكروا قصة هلاكهم.
ف { قل } لهم: { سيروا في الأرض } أي: مستقر الفراعنة والأكاسرة والقياصرة والخواقين معتبرين { ثم انظروا كيف كان عقبة المكذبين } [الأنعام: 11] الذين كذبوا الرسل عتوا وعنادا إلى حيث لم يبق من رسومهم وآثارهم وأظلالهم أصلا مع أنهم كانوا أولي قوة ذوي بأس شديد.
[6.12-14]
{ قل } لهم يا أكمل الرسل تبكيتا وإلزاما: { لمن ما } ظهر { في السموت والأرض } تصرفا وتملكا إيجادا وإظهارا وإعداما وإفناء { قل } أيضا أنت يا أكمل الرسل بعدما بهتوا وتحيروا في الجواب: { لله } المتوحد المتفرد بالتجلي والظهور والتصرف مطلقا؛ إذ { كتب } أوجب وألزم { على نفسه } أي: ذاته حين كان ولم يكن معه شيء { الرحمة } العامة؛ أي: التجلي باسم الرحمن على عروش ذرائر الأكوان المنعكسة من أوصافه الذاتية، والله { ليجمعنكم } أيها العكوس والأضلال بمقتضى اسم الرحيم { إلى يوم القيمة } التي هي الطامة الكبرى المرتفعة فيها نقوش الغير والسوى مطلقا { لا ريب فيه } أي: في جمعه ورفعه عند أولي البصائر المتأملين في سر الظهور والإظهار، وأما { الذين خسروا أنفسهم } باقتصار النظر في هذه الأضلال والتماثيل الزائفة الزائلة التي لا قرار لها ولا مدار للذاتها وشهواتها { فهم لا يؤمنون } [الأنعام: 12] بالرجوع إلى ما في التوحيد ومقر التجريد والتفريد، أولئك هم الظالمون في تيه الحرمان، الباقون في ظلمة الإمكان.
{ و } كيف ينكرون جمعه وتوحيده مع أنه { له } سبحانه { ما سكن } وبطن { في الليل } أي: مرتبة الباطن والغيب { و } ما ظهر وانكشف في { النهار } أي: مرتبة الظاهر و الشهادة { وهو } بذاته { السميع } لكل ما سمع { العليم } [الأنعام : 13] لكل ما علم وأدرك لا يخفى عليه شيء مما ظهر وبطن.
{ قل } لمن أنكر توحيد الله وأثبت الشريط له، ومع ذلك يرغبك يا أكمل الرسل إلى شركه إلزاما وتبكيتا: { أغير الله } الواحد الأحد الصمد الذي لا شريك له أصلا { أتخذ وليا } موليا وكيلا لأكون مشركا مع كونه سبحانه { فاطر السموت والأرض } أي: موجدهما ومظهرهما من كتم العدم { وهو يطعم } أي: يرزق للمحتاجين { ولا يطعم } لتنزهه عن الأكل والشرب، خص بهذه الصنعة؛ لأنه من أقوى أسباب الإمكان، وأجل أمارات الحدوث وأظهرها، والباقي متفرع عليه { قل } يا أكمل الرسل لكافة البرايا: { إني أمرت } من عند ربي { أن أكون أول من أسلم } أطاع وانقاد، وأظهر التوحيد الذاتي وأدعو الناس إليه { و } أيضا نهيت أنا على وجه المبالغة والتأكيد من عنده سبحانه بقوله: { لا تكونن من المشركين } [الأنعام: 14] المثبتين الوجود لغير الحق من الأظلال وبعدما أمرت مما أمرت.
[6.15-18]
نامعلوم صفحہ