{ و } من جملة الأحكام التي { كتبنا عليهم فيهآ } القصاص، فاعلموا أيها الحكام { أن النفس } القاتلة تقتص { بالنفس } المقتولة { والعين } تفقا { بالعين } المفقوءة { والأنف } يقطع { بالأنف } المقطوعة { والأذن } تصلم { بالأذن } المصلومة { والسن } تقلغ { بالسن } المقلوعة { و } كذا { الجروح } يجري فيها { قصاص } مثلا بمثل على قياس ما ذكر { فمن تصدق } من المستحقين { به } أي: بالقصاص، وعفا عنه طوعا { فهو } أي: تصدقه { كفارة له } أي: لذنوبه { ومن لم يحكم بمآ أنزل الله } من الأحكام؛ ميلا وارتشاء { فأولئك } الحاكمون { هم الظالمون } [المائدة: 45] المتجاوزون عن مقتضى الإيمان والإطاعة والانقياد.
[5.46-47]
{ و } بعدما انقرض هؤلاء النبيون الحاكمون { قفينا على آثارهم } أي: أتبعناهم { بعيسى ابن مريم } خلفا لهم { مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه } امتنانا له { الإنجيل فيه } أيضا { هدى ونور } للمستهدين المستكشفين منه { و } مع كونه مشتملا على الهداية والإنارة { مصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى } هاديا لأهل العناية { وموعظة } وتذكيرا { للمتقين } [المائدة: 46] المتوجيهن إلى الحق بين الخوف والرجاء.
{ وليحكم } أيضا { أهل الإنجيل بمآ أنزل الله فيه } من الأحكام { ومن لم يحكم } منهم أيضا { بمآ أنزل الله } لغرض من الأغراض الفاسدة { فأولئك } البعداء، المنصرفون عن منهج الرشاد { هم الفاسقون } [المائدة: 47] الخارجون عن ربقة الإيمان، المنهمكون في حبر الضلال والطغيان.
ومآل هذه الصفات الثلاثة لهؤلاء الحاكمين المجاوزين عما حكم الله في كتبه واحد إذ الفكر: هو ستر حكم الله، والظلم: هو المتجاوز عنه إلى غيره من الآراء الفاسدة والفسق: الخروج عن حكمه؛ عنادا ومكابرة، ومآل الكل إلى الشرك بالله، والإلحاد عن توحيده.
[5.48-50]
{ و } بعدما انقرض عيسى - صلوات الرحمن عليه - { أنزلنآ إليك } يا أكمل الرسل، وخاتم النبيين { الكتاب } الجامع لجميع الكتب السالفة متلبسا { بالحق } والصدق { مصدقا لما بين يديه من } جنس { الكتاب } المنزل على الرسل الماضين { و } مع كونه مصدقا { مهيمنا عليه } مستحضرا لما فيه، يحفظه عن التحريف والتغيير؛ إذ الكتب الإلهية كل لا حق منها يحفظ حكم سابق، ويصونه عن التطرق والتحريف، وإن كان مشتملا على نسخ وتغيير إلهي بحسب الزمانين ومقتضى المرتبتين { فاحكم } أيضا { بينهم } مطابقا { بمآ أنزل الله } إليك في كتابه { ولا تتبع أهوآءهم } الباطلة؛ ميلا ومداهنة، ولا تنحرف { عما جآءك من الحق } الصريح، لائق للحكمة الإلهية المقتضية للأحكام.
واعلموا أيها الأمم المتوجهون نحو التوحيد المسقط لجميع الإضافات { لكل جعلنا منكم شرعة } موردا ومذهبا تردون منها إلى بحر الوحدة { ومنهاجا } طريقا واضحا، بينها الحق لأنبيائه ورسله بإنزال الكتب عليهم { ولو شآء الله } الهادي لعباده إلى توحيده { لجعلكم } وصيركم { أمة واحدة } متحدة في المنهج والمقصد بحسب الظاهر أيضا { ولكن } كثركم، وعدد طرقكم { ليبلوكم } ويجربكم { في } رعاية مقتضيات { مآ آتاكم } من مواهبه، وعطاياه الفائضة من تجلياته الحبية.
{ فاستبقوا } أيها المعترضون لنفحات الحق { الخيرات } الفائضة عن محض جوده فابتدروها، وتعرضوا لمهايتها، واعلموا أيها التائهون في سراب الإمكان { إلى الله } المتوحد في الجود والوجود { مرجعكم جميعا } أيها الأضلال الباطلة، والتماثيل العاطلة المنعدمة في أنفاسها { فينبئكم } بد رفع تعيناتكم { بما كنتم فيه تختلفون } [المائدة: 48] من الإضافات المترتبة على الهويات الباطنة.
ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
نامعلوم صفحہ