وضاف إذا هبت له الريح طيرت ... لبائد عن أعطافه ما ترجل.
الضافي: الشعر الكثير الطويل، وهبوب الريح له: إصابتها إياه عند هبوبها أي هيجانها. وتطييره البائده -جمع لبيدة. بمعنى ملبودة: ما تلبد من الشعر- رفعها إياه عند الهبوب. والأعطاف: الجوانب، واحدها عطف بالكسر. وترجيل الشعر: تسريحه بالمشط بعد الأدهان.
والمعنى: ولا ستر دون الوجه إلا الأتحمي المرعبل، وشعر كثيرطويل، إذا هبت الريح منتهية إليه في هبوبها، رفعت ما تلبد منه لعدم تسريحه وأدهانه، وبعد تفقده. وهذا معنى قوله:
بعيد بمس الدهن والفلي عهده ... له عبس عاف من الغسل محول.
فهو تذييل، أي مؤكد لمفهوم ما قبله.
قوله: "بعيد" فعيل، بمعنى فاعل وهو خبر مقدم. و"عهده" مبتدأ مؤخر. ويصح أن يرتفع "عهده" على أنه فاعل "بعيد" لاعتماده على المبتدأ المحذوف بناء على أن التقدير "هو بعيد" ولا محل للجملة على التقديرين لأنها تذيلية. وفلي الرأس: استخراج قمله وصؤابه. والصؤاب -بزنة غراب -: بيض القمل، ويجمع على صئبان. والعهد: التعهد، أي التفقد. والعبس- بالعين المهملة والتحريك-ما تعلق بأذناب الإبل من أوضارها، وما يبس على أفخاذها من ثلطها وأبوالها. والعافي: المتروك على حاله حتى عفي: أي أكثر وطال من تراكم بعضه على بعض، وقد يشبه بالقرون كما قال أبو النجم:
كأن في أذنابهن الشول
من عبس الصيف قرون الأيل
والغسل بالكسر: الذي يغسل به الرأس، وهو الطفل. وقيل: آس طيب وماء. والمحول: اسم الذي أحال: أي أتى عليه حول من كل شيء.
قوله: "بمس الدهن" متعلق ب "عهده" وإن كان في معنى المصدر، أي "تعهده" لأن الصحيح جواز تقدم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا أو جارًا ومجرورًا للاتساع في الظروف. وقوله: "عاف" يصح أن يكون وصفا ل "عبس" وعليه ما تقدم فهو حينئذ بمعنى كثير. ومن "الغسل" يتعلق ب "محول" لتضمنه معنى "مغفر"، ويصح أن يكون من أوصاف "ضاف". و"من الغسل" حينئذ يتعلق ب "عاف".
والمعنى: هو-أي الشعر الضافي-بعيد تعهده: أي تفقده بمس الدهن، وباستخراج القمل وبيضه منه، له من أجل ذلك وسخ وودح لبد شعره لكثرته وتوفره. أو هو-أي الضافي عاف: أي دارس من الطفل والخطمي أتى عليه عام من عهده بما ذكر من الترجيل والغسل والفلي.
وخرق كظهر الترس قفر قطعة ... بعاملتين ظهره ليس يعمل.
الخرق-بفتح الخاء المعجمة-المكان الذي تخترقه الرياح لإقفاره مما يستر الرياح من بناء وشجر. والترس: المجن الذي يتقى به في الحرب من الطعن والضرب. وقطع القفر: الخروج منه، وتخليفه وراء الظهر بالسير، والعاملتان هنا: قيل الرجلان، وكان الشنفرى-كخاله تأبط شرا - يعدو على رجليه، وهكذا شأن لصوص العرب. و"يعمل" بالبناء للمفعول، أي لا يعمل فيه بالحرث والغرس لكونه لا ينبت.
قوله: "وخرق" مخفوض لفظا برب المحذوفة، مرفوع محلا بالابتداء و"كظهر الترس" و"قفر" من أوصاف الخرق تضمنت الاحتراس مما عسى أن يتوهم من كونه يصح إعماله، ويتأتى، والأولى أن هذا إيغال مفيدا لنكتة يتم أصل المعنى بدونها.
وأصل المعنى هنا قطعة المفازة الخالية التي تشبه ظهر الترس برجليه وهو تام لا يتوقف على ما ختم به البيت الذي أفاد أن المفازة لا يتمكن فيها البقاء لكونها غير معمولة لعدم صلاحيتها لذلك، فليس فيها ساكن لأجل ذلك.
ووجه الشبه بين الخرق والترس قيل: الاستواء، والأولى إن شاء الله كثرة مساربه التي يتحير فيها السالك، وتحمله على الضلال ككثرة آثار ظهر الترس بالضرب والطعن واختلافها وتفاوتها.
فألحقت أولاة بأخراه موفيا ... على قنة أقعي مرارا وأمثل.
الضميران للخرق. وإلحاق الشيء بغيره: جعله لاحقًا به، وإلحاق أولى الخرق بأخراه كناية عن قطعة بالسير، وجوازه إلى غيره. والموفي: الذي أوفى: أي أشرف والقنة: رأس الجبل الأعلى. والإقعاء بالنسبة للإنسان: جلوسه على أليتيه، ناصبا فخذيه كأنه متساند إلى ما وراءه. وإقعاء الكلب: جلوسه على أليتيه مفترشًا رجليه، ناصبا يديه. ومثل يمثل-بكسر المضارع-انتصب قائما.
1 / 16