واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون [سورة يوسف: 38].
ومع إيمان المسلم برسالات هؤلاء الأنبياء المرسلين يتفتح أمامه باب التفكير والاحتكام إلى العقل، باعتقاده أن الأنبياء والمرسلين يتفاضلون، ويحق له التمييز بين دعواتهم بما لها من حجة، وما فيها من عموم الهداية على تعدد الأمم والأزمنة ...
ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داوود زبورا [سورة الإسراء: 55].
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات [سورة البقرة: 253].
ويملك المسلم حرية العقل فيما يعلم من الرسالات والدعوات التي لم تذكر بأسمائها في كتابه؛ لأن رسل الله كثيرون:
منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك [سورة غافر: 78].
فالمسلم لا يسعه أن يهمل عقله أمام الأديان والرسالات كافة حين يوفق بين واجب الإيمان بها في أصولها وقواعدها، وواجب الإعراض عما اختلط بها من أوشاب الخرافة أو الضلالة؛ لأن العقل هو مرجعه الأول في التوفيق بين هذين الواجبين، وهو مرجعه الوحيد في تمحيص الرسالات التي لم يقصصها القرآن الكريم عليه، فلا غنى له عن التفكير فيها لفهم الصالح منها وغير الصالح، والتمييز بين ما يجوز رفضه وما لا يجوز، عسى أن يكون من رسالات الهداية الإلهية فلا يستنكره بغير بينة أو على غير هدى.
وقد صدقت أمم ببعض الأنبياء وكذبت بنبوة محمد - عليه السلام - ولا حجة لها تجيب بها من يسألها إلا أن تقول: إننا صدقنا بهؤلاء الأنبياء لأنهم أنبياؤنا، ولم نصدق بمحمد لأنه ليس بنبي عندنا. فهم لا يفرقون بين الأنبياء بقداسة السيرة، ولا بعظمة الأثر، ولا بشيوع الهداية وكثرة المهتدين بها، ولا بفضيلة الهداية في آدابها ومعانيها؛ إذ ما من فارق من هذه الفوارق يعتمدونه في تقديرهم هو خليق أن يسوغ لهم تكذيب محمد - عليه السلام - مع من صدقوهم كما وصفوهم وتحدثوا عنهم في الكتب التي يعولون عليها.
فمما جاء عن نوح - عليه السلام - في الإصحاح التاسع من سفر التكوين أنه «ابتدأ يكون فلاحا، وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته.»
وجاء في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين عن لوط وبنتيه: «فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ، وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كل الأرض. هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة، ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة: إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرا الليلة أيضا، فادخلي اضطجعي معه؛ فنحيي من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا، وقامت الصغيرة واضطجعت معه، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها؛ فحبلت ابنتا لوط من أبيهما، فولدت البكر ابنا، ودعت اسمه موآب، وهو أبو المؤبيين إلى اليوم، والصغيرة أيضا ولدت ابنا، ودعت اسمه بن عمي، وهو أبو بني عمون إلى اليوم.»
نامعلوم صفحہ