وإنه لمن أجمل آداب القرآن العلمية أن يذكر المجتهد أمثال هذا التفسير ويتبعه بتفويض العلم إلى الله: «والله أعلم، وفوق كل ذي علم عليم» ... إن القرآن الكريم يقول إن الكتاب لم يفرط في شيء، كما جاء في سورة الأنعام:
وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [سورة الأنعام: 38].
وأكثر المفسرين على أن الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ كما جاء في تفسير ابن كثير: أي الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره، سواء كان بريا أو بحريا؛ كقوله:
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين [سورة هود: 6].
ولكن بعض المفسرين - ومنهم الرازي - يفسر الكتاب هنا بالقرآن الكريم. ولا نزاع بين القولين في تأويل المقصود باشتمال الكتاب على كل شيء؛ فإنهم يعنون أنه يهدي الإنسان إلى كل شيء يحتاج إليه في دينه ودنياه، ومنه طلب العلم والقوة والفضيلة، ولا يقول أحد: إن الكتاب يشتمل على كل شيء تفصيلا؛ بل إجمالا في علم الله، لا يعلمه الناس إلا بمقدار. فمن فهم من ذلك الإجمال معنى فهو مسئول عنه لا يسأل عنه أحد غيره إلا بحجته وبرهانه. ويتفق الإجماع الذي لا نزاع فيه على الأمر بالعلم، والمؤاخذة على التفريط فيه.
وأيا كان الوجه في هذه المسألة؛ فالقسطاس المستقيم فيها بين، والاجتهاد فيها ينتهي إلى حد قائم لا شبهة عليه، فإن الإسلام يأبى كل علم يختلط بأسرار الكهانة والكهان، فكل علم يؤمر به المسلم فهو علم صراح بغير حجاب ولا تنجيم، يهتدي إليه كل مأمور بالنظر قادر عليه.
الفصل السادس
الفن الجميل
كثرة الأنصاب والتماثيل في المعابد والبيع ليست بالمقياس الصحيح لنصيب الفنون الجميلة من الدين الذي يدان به في المعبد أو البيعة؛ لأن المعابد الوثنية كانت تتسع للأنصاب والتماثيل، وليست بالنموذج الصالح للأديان في الهداية إلى معاني الجمال والحض على الفنون الجميلة، وهي في جملتها لا تخلو من العبادات البشعة، والشعائر القبيحة، والعقائد التي لا تجتمع والجمال في شعور واحد.
إنما يقاس نصيب الفن الجميل من الدين بنظرة الدين إلى الحياة؛ فلا يقال عن دين إنه يحيي الفنون الجميلة أو يتقبل إحياءها إذا كانت له نظرة زرية إلى الحياة، وكان ينظر إليها كأنها وصمة زرية، وإلى الجسد ومتاعه كأنه رجس مرذول، وانحراف بالإنسان عن عالم الروح والكمال.
نامعلوم صفحہ