أما أن يؤمن الإنسان بالدين في أعماق وجدانه بمعرفة الفكر، فذلك بحث طويل لا يستقصى في سطور ولا صفحات، ولكنه - مع خلوص النية - يتضح جليا مبينا من حقيقة واحدة، وهي أن الإنسان جزء من هذا الوجود غير المحدود، لا بد له من صلة عميقة تربطه به أبعد غورا من هذه الصلات الحسية التي تحصرها العلوم المتغيرة مع العصور والسنين ...
فكيف تكون هذه الصلة؟ إن فكر الإنسان محدود ينقطع دون النهاية من هذا الوجود الذي ليست له حدود، فهل تنقطع صلته بالوجود كله عند انقطاع فكره؟ أو يعلم حدود نهايته، ويعلم علما يقينا أن الصلة وراء ذلك لن تكون إلا بالإيمان.
لا بد أن يؤمن؛ لأنه ذهب بالفكر إلى نهايته ولم يبلغ النهاية، ولا بد - بعد طريق الفكر- من طريق يهتدي إليه الفكر، ولكنه لا يستقصيه ...
وإذا آمن المفكر بهذا، فأي دين يختاره للجماعة الإنسانية أفضل من دين الإسلام؟
إن الإسلام دين موجود، فالذي يشير على المسلم بدين غيره يريد منه أن يتركه ليدين بعقيدة أرفع منه في درجات الاعتقاد، وأوفى منه بمطالب الجماعة ومطالب الآحاد، وهذا ما يعتقده المسلم، فما الذي يعتقده خيرا منه إذا نظر في الإسلام وفي سائر الأديان؟
يعتقد المسلم في الإله أنه رب العالمين، ليس كمثله شيء وهو بكل شيء محيط، لا يحابي ذرية دون ذرية، ولا يختص بالنجاة فريقا دون فريق، ولا يميز أحدا على أحد بغير العمل والتقوى ...
ويعتقد المسلم في النبي أنه رسول هداية، يعلم ما علمه الله، ولا يعلم الغيب إلا بإذن الله، يخاطب العقول ولا يقسرها على التصديق بالخوارق والأعاجيب، ولا يملك لأحد نفعا ولا ضرا إلا ما يكسبه لنفسه من خير، وما يجنيه عليها من خسار ...
ويعتقد المسلم في الأنبياء كافة أنهم رسل الله بالهداية، يصدقهم جميعا حين يصدق برسالة نبيه، ويصلي عليهم جميعا حين يصلي عليه، يبشرون وينذرون؛ فلا يهلك أحد من خلائق الله بغير نذير، ولا تفوته النجاة لأنه سبق في الزمان أو تأخر فيه بغير حيلة له في السبق أو التأخير ...
ويعتقد المسلم في الإنسان أنه مخلوق مسئول عن عمله وعن نيته، إن عمل صالحا فلنفسه، وإن أساء فعليها، يؤاخذه الله بذنبه، ولا يؤاخذه بذنب لم يقترفه، وينجيه بتوبته، ولا ينجيه بكفارة لم ينهض بثوابها ...
ويعتقد المسلم في بني الإنسان عامة أنهم أسرة واحدة من ذكر وأنثى، أكرمهم عند الله أتقاهم، وأتقاهم لله أنفعهم لعباده، يتكاثرون بالأنساب، ويتعارفون بالأعمال والأسباب، فإذا نصبت لهم موازين الحساب فلا أنساب بينهم يومئذ ولا هم يتساءلون.
نامعلوم صفحہ