ذكرت حقائدها القديمة إذْ غدتْ ... قدمًا تُداس بأرجل العقَّارِ
لانت لهم حتى انتشوا وتمكنتْ ... منهم وصاحتْ فيهم بالثارِ
أبو عثمان الخالدي:
هتفَ الصبحُ بالدجى فاسقنيها ... قهوةً تجعلُ الحليمَ سفيها
لستُ أدري من رقةٍ وصفاءٍ ... هي في الكأسِ أم صبت الكأسُ فيها
ويقرب من هذا:
رقّ الزجاجُ ورقَّتِ الخمرُ ... فتشابها وتشاكلَ الأمرُ
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
أبو طاهر بن حيدر:
مرحبًا بالتي بها قُتل اله ... مُّ وعاشتْ مكارمُ الأخلاقِ
وهي في رقةِ الصبابةِ والوج ... دِ وفي قسوةِ النوى والفراقِ
لستُ أدري أمنْ خدودِ العذارى ... سفكوها أو أدمعِ العشاقِ
آخر:
وأغيدُ معسولُ المراشفِ زارني ... على فرقٍ والنجمُ حيرانُ طالعُ
فنازعتهُ الصهباءَ والليلُ ناصلٌ ... رقيق حواشي البردِ والنسرُ واقعُ
عقارٌ عليها من دم الصبِّ نقطةٌ ... ومن عبراتِ المستهامِ فواقعُ
معوّدة غصبَ العقول كأنما ... لها عند ألباب الرجال ودائعُ
تدير إذا شجتْ عيونًا كأنها ... عيون العذارى شق عنها البرقعُ
أشجع السلمي:
ولقد طعنتُ الليلَ في أعجازهِ ... بالكأسِ بين غطارفٍ كالأنجمِ
يتمايلونَ على النعيمِ كأنَّهم ... قضبٌ من الهندي لم يتثلّمِ
يسعى بها الظبي الغريرُ يزيدُها ... طيبًا ويغشمها إذا لم تغشمِ
فإذا أدارتها الأكفُّ رأيتها ... تثني الفصيحَ إلى لسانِ الأعجمِ
تغلي إذا ما الشعريانِ تلظتا ... صيفًا وتسكنُ في طلوعِ المرزمِ
ولها سكون في الإناء وخلفه ... شغبٌ تطوّح بالكمي المعلمِ
تُعطي على الظلمِ الفتى بقيادها ... قسرًا وتظلمه إذا لم يظلمِ
شرب الأقيشر في حانة بالحيرة حتى نفد ما معه ورهن ثيابه، وكان شتاء ثم جلس في تبن هناك واجتاز رجل ينشد ضالته، فقال الأقيشر: اللهم ارددها إليه واحفظ عليها، فقال الحاني: ويحك أي شيء يحفظ ربك، قال: هذا التبن لا تأخذه فأموت بردًا فضحك منه ورد ثيابه.
جلست عجوز من الأعراب إلى فتيان يشربون فسقوها قدحًا فطابت نفسها وتبسمت ثم سقوها آخر فاحمر وجهها وضحكت فسقوها ثالثًا، فقالت: أخبروني عن نسائكم بالعراق أيشربن هذا الشراب، قالوا: نعم، قالت: زنين ورب الكعبة.
شرب داود المصاب مع قوم في شهر رمضان، فقالوا له وقت السحر: قم فانظر هل تسمع أذانًا فأبطأ ساعة ثم رجع، وقال: اشربوا فإني لم أسمع إلاّ أذان سوء من مكان بعيد.
شرب بعضهم عند خمّار فلم يسكر فشكا إليه، فقال: اصبر فهذا يأخذ في آخره فلما انصرف أخذه الطائف وحُبس، فقال: صدق الخمّار قد أخذه في آخره.
وعاب مسلم بن الوليد أبا نواس في الخمر، وقال له: خلعت عذارك وأطلت الإكباب على المجون حتى غلب على لبك وما كذا يفعل الأدباء، فأطرق هنيهة، ثم قال:
فأول شربك طرْح الرداء ... وآخر شربكَ طرحُ الإزارِ
وما هنأتك الليالي كمثل ... إماتةِ مجدٍ وإحياءِ عارِ
وما جادَ دهرٌ بلذاتهِ ... على منْ يضنُّ بخلعِ العذارِ
فانصرف مسلم آيسًا من فلاحه، وهو يقول: جواب حاضر من شيخ فاجر. ويعجبني قول القائل في الاعتذار عن السكر:
إذا شربت ماء الحياء وجوهنا ... تنقّل عنها ماؤها وحياؤها
إذا كانتِ الصهباءُ شمسًا فإنَّما ... يكونُ أحاديث الرجال هباؤها
وقد ظرف القائل:
كان منِّي على المدامةِ ذنبٌ ... فاعفُ عنِّي فأنتَ للعفو أهلُ
لا تؤاخذْ بما يقولُ على السُّك ... رِ فتًى ما له على الصحوِ عقلُ
آخر:
إذا ما صدمتني الكأسُ أبدتْ محاسني ... ولم يخشَ ندماني أذاتي ولا بخلي
ولستُ بفحاشٍ عليه وإن أسا ... وما شكلُ من آذى نداماه من شكلي
المعروف بالعطار المغربي:
وكأسٍ ترينا آيةَ الصبح في الدجى ... فأوّلها شمسٌ وآخرها بدرُ
مقطّبةٌ ما لم يزرْها مزاجُها ... فإنْ زارها جاءَ التبسمُ والبشرُ
فيا عجبًا للدهرِ لم تخلُ مهجةٌ ... من العشقِ حتى الماءُ تعشقهُ الخمرُ
1 / 64