إنه ينحدر من السحابة فتيا نميرا على صلد الجلاميد، ويتنزى منها جذلان فرحا إلى العلا.
إنه يسيل في وعر الأخاديد، يجرف أمامه مجزعة الحصباء التي لا تحصى ويسحب في إثر أقدامه العجلى أخوة من العيون الثرارة، كأنه المرشد الأمين.
وثمة في الوادي تنجم الرياحين عند قدميه، وتحيا المروج من أنفاسه، فلا يثنيه الوادي الظليل ولا الرياحين التي تطوق ساقيه وتحاول أن تسبيه بلحاظها الفواتن، بل هو يصمد في تدفعه متسلسلا متعرجا إلى فضاء السهوب.
وتبادر إليه الجداول ترفده، فيدخل السهل لامعا كاللجين، فيتلألأ السهل بلألائه، وتطفر طربا أنهار الوهاد وجداول النجاد، وتهيب به: «يا أخي، خذ معك إخوتك، وامض بها إلى أبيك الشيخ، إلى البحر المحيط الأزلي، الذي يترقبنا باسطا ذراعيه، وا أسفا! لطالما بسط ذراعيه بلا جدوى ليضم إليه بنيه الأنضاء، ونحن في البيداء الجدباء تبتلعنا الرمال المحرقة، والشمس في كبد السماء تشفي الغليل من دمائنا، ولا يستوقفنا غير كثيب نستحيل عنده إلى غدير! يا أخي، خذ معك إخوتك بالوهاد وإخوتك بالنجاد، وامض بهم إلى أبيك! تعالوا جميعا!»
وها هو العباب طاما زاخرا ترفده الروافد ويخلع في مجراه على الأمصار أسماءها، وتنشأ عند أقدامه المدائن، بيد أنه لا يني هادرا يتدفع، لا يثنيه أبدا ثان، مخلفا وراءه المنائر والصروح: بدائع خصبه وإنتاجه.
وإنه ليقل فوق مناكبه الجبارة منشآت السفن، تخفق الألوف من قلوعها فوق رأسه وتهفو مشرعة نحو السماء، شاهدة على قدرته وجلاله.
وهكذا يمضي بإخوته وكنوزه وبنيه نحو أبيه الذي ينتظره ويتلقاهم إلى صدره وهو يعج من الفرح.
مقطوعة
الجزء الأول
رسالة في 10 مايو
نامعلوم صفحہ