ففى وجوده نقصان عن درجة الأول بحسبه يكون ناقص الإدراك. فلا حكيم إلا الأول إذ هو كامل المعرفة بذاته.
كل غاية فهى خير ، وواجب الوجود لما كانت الغاية فيما يصدر عنه كمال الخير المطلق كان هو الغاية فى الخلق ، إذ كل شىء ينتهى إليه كما قال « وأن إلى ربك المنتهى (1)».
الأول تام القدرة والحكمة والعلم ، كامل فى جميع أفعاله لا يدخل أفعاله خلل البتة ولا يلحقه عجز ولا قصور. ولو توهم متوهم أن العالم يدخله خلل أو يتعقب ائتلافه ونظامه انتقاض لوجب من ذلك أن يكون غير تام القدرة والحكمة والعلم تعالى عن ذلك! إذ قدرته سبب العالم وسبب بقائه ونظامه. وهذه الآفات والعاهات التي تدخل على الأشياء الأشياء الطبيعية إنما هى تابعة للضرورات ، ولعجز المادة عن قبول النظام التام.
إنما يتوهم كمال فوق كمال باعتبار ذوى الكمال وتفاوت بعضهم من بعض فى إضافة الكمالات إلى الكمال التام ، فيكون التفاوت بحسب ذلك. وإذا كان الأول غاية فى الكمال وليس وراءه كمال يقاس به كماله ، فلا يتوهم كمال فوق كماله.
الطبيعيون توصلوا إلى إثبات المحرك الأول بما بينوا به من وجوب قوة غير جسمانية غير متناهية تحرك الفلك وارتقوا إليه من الطبيعة. والالهيون سلكوا غير هذا المسلك وتوصلوا إلى إثباته من وجوب الوجود وأنه يجب أن يكون واحدا لا يتكثر وبينوا أن الموجودات صادرة عنه وأنها من لوازم ذاته ، وأن الحركة الفلكية تتحرك شوقا إليه وطلبا للتشبه به فى الكمال ، ولا يجوز أن يكون كماله لا يكون متخصصا به ، ولا أن يكون فوق كماله كمال ، فإنه لو أمكن ذلك لكان ذلك الذي له ذلك الكمال الأعلى أولا.
عقول الكواكب بالقوة لا بالفعل ، فليس لها أن تعقل الأشياء دفعة بل شيئا بعد شىء ولا أن تتخيل الحركات دفعة بل حركة بعد حركة ، وإلا لكانت تتحرك الحركات كلها معا وهذا محال. وحيث تكون الكثرة يكون ثم نقصان ، ولما كانت الكواكب فى ذواتها كثرة إذ كان فيها تركيب من مادة وصورة هى النفس ، كان فى عقولها نقصان وإنما الكمال حيث تكون البساطة وهى الأول والعقول الفعالة.
إن لم يكن سبق للإمكان ، أو لم يكن الإمكان ، لم يكن موجود سوى واجب
صفحہ 62