177

فإذن كل واحد منهما يحتاج فى وجوده إلى أمر من خارج متقدم عليهما ، إذ لا تقدم لأحدهما على الآخر ، إذ فرضناهما متكافئين. والعلة يجب أن تكون متقدمة. وإن كان أحدهما علة والآخر معلولا فإنه يكون أحدهما واجبا بذاته ، والآخر وجوده مستفاد منه. وبهذا نعلم أن واجب الوجود بذاته لا أجزاء له ، فإن الأجزاء سبب للجملة ، فإذن لا تعلق لواجب الوجود بشيء.

وجود الأجسام وأعراضها ، وبالجملة وجود العالم المحسوس ، ظاهر. وجميع هذه الموجودات وجودها خارج عن ماهيته ، إذ جميع هذه ماهيات فى المعقولات العشر ، وكلها ممكنة الوجود فى ذواتها. قوام الأعراض بالأجسام ، والأجسام قابلة للتغيرات. وأيضا فإنها مركبة من مادة وصورة ، وكل واحد منها جزء للجسم. والمادة لا قوام لها بالفعل ، وكذلك الصورة وكل ما كانت هذه صفاته أعنى التغير والتجزؤ. واجتماع جملتها من الأجزاء وحصول معنى ما بالقوة فهو ممكن الوجود. فكل ما هو ممكن الوجود فإنه يخرج إلى الفعل بأمر من خارج ، ويكون تعلق وجوده بذلك الأمر ، وهذا هو معنى الحدوث ، أعنى أن يصير الشىء أيس ، بعد أن كان ليس ، بعدية بالذات ، أى أنه متأخر الوجود عن وجود علته. وقد بينا أن جميع العلل تنتهى إلى واجب الوجود بذاته وأن واجب الوجود بذاته واحد ، فيجب أن يكون للعالم مبدأ لا يشبهه ، فوجود العالم منه. ووجود ذلك المبدأ يكون واجبا بذاته ، بل تكون حقيقته الوجود المحض ، أى لا يخالطه معنى ما بالقوة وما سواه يكون وجوده منه ، مثل الشمس التي هى مضيئة بذاتها ، وما سواها مضىء بها ، والضوء عارض منها. وهذا المثال يصح لو كانت الشمس نفس الضوء ، ولم يكن للضوء موضوع. ولكن الأمر بخلاف ذلك ، فإن ضوء الشمس له موضوع ، وواجب الوجود بذاته لا موضوع له ، بل هو قائم بذاته.

المعلوم بالحقيقة هو نفس الصورة المنتقشة فى ذهنك. وأما الشىء الذي تلك الصورة صورته ، فهو بالعرض معلوم. فالمعلوم هو العلم ، وإلا كان يتسلسل إلى ما لا نهاية.

إن السبب فى أن يكون الشىء معقولا ، هو بأن يتجرد عن المادة ، وكذلك السبب في أن يصير الشىء عاقلا هو أن يتجرد عن المادة ، أعنى العقل. فإذا حصلت صورة مجردة عن المادة ، لصورة مجردة عن المادة ، كان ذلك النحو من الحصول عقلا ، والصورة الإنسانية إذا تجردت عن المادة ، واستحضرتها نفسك ، كانت نفسك ، على ما ذكر فى «كتاب النفس» ، عاقلة للمعقول من تلك الصورة الإنسانية. وبالجملة

صفحہ 189