طبقات مشائخ بمغرب
طبقات المشايخ بالمغرب لأبي العباس الدرجيني
اصناف
أما بعد فإن خير الإخوان الناصحون حين يتناصحون، وأفضل الأخلاء من عطف عن التقوى، وأفضل الأخوان الراشدون في المضلات، المذكرون في الغفلات، وهذا يوم تناصح الأحباء، أن الأموات في سكراتهم يعمهون حين عاد الدين غريبا مفقودا وعاد أهله غرباء منفيين وقد استحوذ إبليس على العباد فهم له جند محضرون، وقد نبذوا الكتاب جملة من شدة البلاء وقد توارثوا نبذه عن الآباء، حين مالت بهم الأهواء وجعلوا مكانه تحريفا لكاتبه كذبا وتكذيبا، باعوه بالبخس، وكانوا فيه من الزاهدين، فقد أصح البلاء في زماننا على الأتقياء في الخاصة والعامة، فسموا بصدقهم كاذبين وبأيمانهم كافرين وبهداهم ضالين، فقد بقوا وبقي الكتاب اليوم وأهله غريبين طريدين منفيين نافيين مستغنيين مع ذلك عمن استغنى عنهما، فيا حبذا ذلك الغريبان الطريدان النافيان المنفيان، والناس اليوم قد اجتمعوا على الفرقة، وتفرقوا عن الجماعة فصار أمر سلطانهم بينهم بعد أن كان شورى بينهم وفيئهم بعد قسم الرب دولة وغنيمة، ليس يلون أمر دينهم الرضى ولا عن رضى أهل الرضى إليهم في فعلهم أمام الكتاب، وليس الكتاب له بإمام، يدخل الداخل بينهم لما سمع من حكم القرآن فما يطمئن جالسا حتى يخرج من الدين لأنه يوضع في يده خلاف القرآن إذا عمل به خرج من الدين، فينتقل من ولاية ملك إلى ولاية ملك، ومن سلطان ملك إلى سلطان ملك، فليس له امام يسوسه ولا على أمر الله يطيعه، فيبقى متحيرا واشتبهت عليه الأمور كما قال: لا بصر أهتدي به ولا بصير يقودني، فإن احتاج إلى العلماء والقراء وجدهم يدينون بطاعة الجبابرة وآخر استحكم حكم القرآن مثل ما عليه الصديقون فاظهر أمر الله، فصار عند علماء أهل زمانه ضالا إذ لم يوافقهم على خلافهم لله، وهو كاليتيم المفرد يستذله من لا يتق الله.
فالناس اليوم على ثلاثة: فرقة تميت الحق وهم علماء السوء طلبا للدنيا وعلوا فيها، فأفتوا بغير الحق ودعوا إلى أنفسهم فنسبوا أهل سنة وجماعة، وهم أهل بدعة وضلالة، وقد قال الله عز وجل: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)(البقرة:159)
وأما الفرقة الثانية فهو كما قال فيهم الحكيم الصادق: إن لله عبادا رسخ عظم جلال الله في قلوبهم وركدت شفقة هيبته في صدورهم، وتمكن الحياء منه في ضمائرهم، ووطنت الفكرة أفئدتهم، وتمثلت العبرة بين أعينهم وجرت ينابيع الحكمة من دقائق سرائر إخلاص صدقهم على أطراف ترجمة ألسنتهم، فأنار بهم الدين وانحسرت بهم ظلم البدعة، وبادت بهم سواد الضلال، وارتعد بهم موارق الجهال، وأبت عليهم دعاة العمى، وازدادت بهم هدى نصرة الهدى، أولئك الذين كفوا عن الدين تأويل الزائغين، وتحريف الملحدين، وشكوك المرتابين، واغلاء المعتدين، وحيرة المتحيرين بالدين، الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، أحيانا بمصرع الدنيا ، والشراب بكأس أبنائها، ودخولا وابغلا في شعاب هلكاتها، واتيان في سياسة غدراتها، وتسليم الدين خشية آفاتها.
صفحہ 77