ويتهمون أصحاب عقيدتنا بالتنكير للبنان، أي منطق هذا! من يزعم أن من يريد خدمة أمته هو بحكم الطبيعة متنكر لأمه؟
نريد لبنان فكرا شاملا وقوة منطلقة ساحقة. لقد نشرت لي مجلة «الصياد» كلمة منذ سنوات خمس، قبل أن عدت من المهجر جاء فيها: «أريد الوحدة السورية بعد أن تقرع لها أجراس الكنائس في بشراي، وبكفيا، ودير القمر»، هذا ما تبشر به عقيدتنا اليوم، وما بشرت به أمس، وهذا ما تبتغيه الفئة الصافية الذهن المتطلعة إلى المستقبل.
لقد بشر «هربرت هوفر» ب «عالم واحد»، فما سمي خائنا ولا نصبوا له مشنقة، نحن لا نؤمن بلبنانية تفجر الديناميت في المآتم وتقتصر على التسبيح للأرز، وتلهو بذكرى أمجاد غابرة، ووصف الحنين إلى المغتربين.
لقد قلت لهم في حفلة «الكتائب» في السنة الماضية: إن فخر الدين مات والمير بشير مات، وصلاح الدين الأيوبي مات؛ وأقول الآن للذين يتهمونني بأني غيرت عقيدتي: إن أكثر ما ناديت به قبل اليوم نشر في الصحف، فهاتوا لي عبارة واحدة مجدت بها حزبا، أو دعوت بها لعقيدة، ارجعوا إلى ما طبعتموه أنتم، وأروني كلمة واحدة قلتها تشرد عن موقفي اليوم.
ثم اتركوا النظريات التي تبدأ بجدل لا ينتهي، وقولوا لي أي داء كان أفتك بنا من الطائفية؟ وأي شخص محا عمليا الطائفية من نفوس المواطنين؟ وأي إيمان غير إيمان القوميين الاجتماعيين اجترح هذه المعجزة حتى أعتنقه؟
حين أعلنت الحرية في زمن السلاطين العثمانيين تعانق رجال الدين في بيروت، وفي سنوات فيصل هتف الشباب المحمدي للشباب المسيحي، ومنذ سنتين تجسد الوئام والود في وليمة تاريخية بين «الجناحين»، تمثلهما النجادة والكتائب. وبعد أن تجسد الوئام وزال التعصب تفجر الود في العيدين على ساحة البرج في العام الفائت، رصاصا من رشاشات ومسدسات ودويا من قنابل.
صار لنا عشرات السنين والهلال يعانقه الصليب والجناحان يرفان، والقوافي تؤلف بين الأهلة والصلبان؛ والأمة سائرة القهقرى، حتى جاء إيمان الوطنية الحق الذي شفى الأمة من أفتك أوبئتها.
لا أحتاج إلى تسمية هذا الإيمان، بل أحور قولا للرفيق أسد الأشقر: «كوم التبن لن تبدد الزوبعة.»
في أول مارس ولد الذي بعث الأمة
في سنة 1946 وجه سعيد تقي الدين - وكان عامئذ في الفلبين - رسالة إلى صديقه محيي الدين النصولي، قال فيها: «سينقذ الأمة من أسميه «رجل رأس بيروت»، ولقد أطلقت عليه هذا الاسم؛ لأن كتفيه ستكونان أعرض من صخور الروشة، ورأسه أرفع من المنارة.» ومن الغريب أن الكاتب سنة 1946 لم يكن قد سمع بعد بمن هو اليوم موضوع مقاله هذا. ***
نامعلوم صفحہ