أما الزهد فى الحرام فهو من معاقد الإيمان يقينا، وأما العجز عن الحلال فقد يفرضه القدر الذى فرض على الناس الشدائد والمصائب، وموقفنا من هذا النوع من الكبت هو موقفنا من المصائب الطارئة، نصبر عليها إذا بلينا بها، ولا نشتاق إليها إذا بعدت عنا. والزهد المادى هنا تشريع مؤقت لحال مؤقتة. وهناك زهد مادى يأتى تبعا لحالات الاستغراق التى تملك على الإنسان مشاعره، وتصرف أفكاره إلى جهة واحدة وفى غاية واحدة!
فالشخص الحزين يصاب بشىء من الزهد القاتم الذى يبعده عن كثير من الحلال والطيبات، ويغنيه بالقليل من الضرورات، والمرتبط بعمل كبير أو المقبل على امتحان خطير يشعر بنوع من الاكتفاء، وعزوف على المرح والتوسع. وقد يصمم المرء على بلوغ هدف ما فلا يرحم صحته ولا يبالى أكان طريقه إلى هدفه مفروشا بالورد أو مفروشا بالأشواك!
وهذه الحالات العارضة تتصل بكيان الإنسان المعنوى أكثر مما تتصل بكيانه المادى، وقد تأثر الجسم فيها بالروح- لا العكسى- وهى نتيجة للزهد الأدبى الذى فصلنا حقيقته آنفا، ونحن نتفق مع الأخ "محمد رشاد" فى هذا الرأى، أما الدخول مع الجسم فى معركة مباشرة، فمن المحقق أن مثل هذه المعركة كثيرة التكاليف قليلة الأرباح، وبخاصة إذا قصد هذا الزهد لذاته، أو فهم أنه من جوهر الدين ولبابه، وهذا خطأ.
ص _166
لقد رأى الرسول عليه الصلاة والسلام رجلا منتصبا فى الشمس فقال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنى" ولكن الدين الذى حرم على الرجل وقوفه فى الشمس على هذا النحو أوجب على هذا الرجل وعلى غيره !ن ينفروا فى الشمس الحرقة، وأن يجاهدوا فى سبيل الله فى وقدة الحر، وهدد المتخلفين عن هذا الواجب:
(قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون).
وفى هذه المبادئ قطع لدابر التصوف الأحمق، وبيان لطريق الجهاد المعقول! وكذلك بينت السنة أن الدين ليس تحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولا احتقار الجمال، ولا رقة الحال، ولا انكسار البال!
صفحہ 166