صندوق الدنيا
صندوق الدنيا
اصناف
الثلاثاء، كان اليوم مطيرا عاصفا فامتنع آدم عن الخروج من الكوخ، فتركته ومضيت إلى البركة، غير أن المطر المنهمر شوه صورتي جدا، فانكفأت عنها آسفة، وأدركني العطف على جرو صغير وجدته في طريقي فحملته معي إلى الكوخ، ولم أكد أدخل حتى انتهرني آدم وأنبني على ما يسميه حماقة الخروج في مثل هذا الجو والرجوع بقدمين مثقلتين بالأوحال وتوسيخ الكوخ بها. ثم سألني عما أحمل فقلت له: إنه جرو صغير أشفقت عليه من المطر والبرد. فقال: «لست أفهم هذا الولع بالحيوانات الصغيرة وضمها إلى صدرك وتقبيلك إياها ومناجاتها بأصوات لا معنى لها، وإزعاجي بعوائها ونباحها وموائها.» ثم انتزع مني الجرو وقذف به إلى الخارج.
الأربعاء، لست أنسى ما عشت نظرة الاحتقار التي رماني بها اليوم آدم. كنت عند شجرة تين أقذف ثمرها بالحجارة. وحانت مني التفاتة فإذا آدم يرشقني بهذه النظرة كأنه سمرني بها إلى الأرض، ثم دنا مني وهو يقول: «هكذا ترمين»، وتناول حجرا وراح يقلدني ويتثنى ويتعوج ويلقي الحجر فيقع عند قدميه. وبعد أن شبع من الزراية علي والسخرية مني اعتدل وقال: «هكذا يجب أن تفعلي»، وسدد ساعده القوي وقذف الحجر فانطلق من يده يقول «فوو»، وهوى التين إلى الأرض وتركني ومضى.
الخميس، يقول آدم إنه أخطأ حين علمني «الرماية» كما يسميها ويزعم أن تعليمه إياي أغراني بأشجار الفاكهة، وأني الآن أفرط في أكلها، وإننا مهددون بنفاد هذا الغذاء أو «بالقحط» كما يقول على طريقته في المبالغة. وإنه على أي حال لا يتوقع خيرا من وراء حبي للفاكهة.
السبت، مر اليوم بلا حادث يذكر سوى أن آدم وجدني أتسلق الشجرة المحرمة فجذبني بعنف وحذرني من الدنو منها.
الأحد، قمت من النوم فلم أجد آدم، فذهبت أبحث عنه فلم أهتد إلى مخبئه. وهذه رابع مرة يهرب فيها مني. فعدت إلى الكوخ متعبة وارتميت على الفراش الذي صنعته له من ورق التين، إلا في سبيل الله ما كلفت نفسي من أجله.
الاثنين، لا يزال آدم هاربا وقد حفيت قدماي. وأقلقني هذا الغياب الطويل الذي لا عهد لي ولا له به. أتراه ضل الطريق؟ إنه غريب الأطوار فلا يبعد أن يكون قد خرج من الجنة.
الاثنين، بعد أسبوع كامل قضيته في البحث وجدت آدم في أقصى الشمال. لقد بنى له كوخا صغيرا هناك، له الله! فلولا الحية دلتني على مكانه ... ولكن صبرا.
الثلاثاء، لم أكن أحسب أن الحية تتكلم، وتا الله ما أطيبها وأعذب لسانها وأحلى حديثها. لا أكاد أضمها إلى صدري حين يصافح سمعي قولها «يا فتنة الدنيا ويا أجمل ما في السموات والأرض ويا أم البشر»، ولكن آدم يكرهها ويخافها ويحذرني منها، ويقول: إنها نذير سوء، وإن كان لا يكتمني سروره بأن وجدت من يحادثني غيره.
الأربعاء، كان آدم يتمشى اليوم وهو مطرق ويداه خلفه، ويتمتم بكلام غير مسموع وليست هذه عادته فما رأيته يفعل ذلك من قبل. فتواريت خلف شجرة أراقبه، فلما دنا مني سمعته يقول لنفسه «وماذا أخشى من الموت إذا أكلنا من الشجرة وحل الموت في الدنيا؟ إن الموت مرغوب فيه من أجل بعضهم على الأقل.»
فمن بعضهم هذا؟ سأسأله عنه.
نامعلوم صفحہ