صندوق الدنيا
صندوق الدنيا
اصناف
وأشاح عني بوجهه. فذهبت إلى الجواد وأدرت عيني في ذيله ثم هززت رأسي وعدت إلى الخادم أسأله: «ألا تظن يا صاحبي أن الأحزم أن أمتطيه قريبا من العنق لأستطيع عند الحاجة أن أطوقه بذراعي؟»
فلم يزد الرجل على أن قال: «ربما» وانصرف عني إلى سواي، وكنا جميعا في هرج ومرج نصيح ونضحك، وكان لا بد أن أفعل شيئا فناديت مضيفنا وقلت له: «أريد سلما.»
قال في دهشة: «سلما؟ ما حاجتك إليه؟»
قلت: «حاجتي إليه أني أريد أن أصعد إلى ظهر هذا المجلي يا صاحبي.»
فضحك وقال: «أنا أساعدك» ودفعني على ظهر الجواد دفعة خيل إلي أنها ستلقيني على الأرض من الناحية الأخرى.
وسرنا مسافة على مهل ثم وخز أحدنا دابته فمضت تعدو واستحث آخر مطيته، وانطلق بها وراءه، واقترب مني ثالث وأهوى على جوادي بعصا معه، فوثب الجواد وراح يسابق الريح - أو هكذا خيل إلي - وأنا أعلو وأهبط فوقه، حتى أحسست أن أمعائي ستتقطع، وأتلمس بيدي شيئا أمسكه وأتعلق به فيفلت من قبضتي كل ما تصل إليه، فارتميت على عنقه وطوقتها، وجعلت أنادي من حولي وأناشدهم الذمة والضمير والمروءة أن يوقفوا هذا الشيطان. وأدرك أحد إخواني العطف علي، فصاح بي «ولكن كيف نوقفه ونحن راكبون؟»
فغاظني منه هذا البله ولم يفتني ما في الموقف من فكاهة على الرغم من الألم الذي أعانيه وما أتوقعه إذا ظل الجواد يركض بي، فقلت له: «يا أبله انزل واقبض على ذيل حصاني وشده.»
وكان أحد الخدم قد أدركني وأمسك باللجام ورد الجواد، فما أسرع ما انحدرت عنه، وكأنما أعجبتني جلستي على الأرض، فأخرجت سيجارة وأشعلتها وذهبت أدخن، وجاءني مضيفنا على أتانه فسألني: «أتنوي أن تقعد هنا إلى الأبد؟»
فأغضيت عن سؤاله وقلت: «إن بي حاجة إلى الشعور بثبات الأرض بعد كل هذا التقلقل وتلك الزعزعة.»
قال: «ولكنك لا تستطيع أن تظل جالسا هكذا. إن أمامنا سير ساعة.»
نامعلوم صفحہ