وتفحصتهما سوسن هانم بسعادة وهي تقول: ستتم سعادتنا بزواجكما في يوليو بإذن الله.
وتساءل عيسى: متى يتاح له عناقها؟! وثمل بسعادة دسمة لحد القلق، وقال لنفسه إنه يترسم خطى علي بك سليمان، وسوف يفوز في النهاية بمركز كمركزه، ولم يكن ذاق الحب إلا مرة وهو تلميذ بالثانوية، أحب يومذاك ممرضة على محطة الترام الصباحية واندفع بجنون، ولكن والده شكمه وروضه. ها هو اليوم بعد مرور حياة غير قصيرة، وبعد أن امتحنته الدنيا بالسجن والضرب والمطاردة والرفع والخفض، ها هو يخطب بعد انقطاع عن رؤية خطيبته لا يقل عن عشرة أعوام، ولكنه في الوقت نفسه عرف الحب وأترع برحيقه، وكان يقبض بيديه على سعادة مضمونة، وقال لها: أنت يا عزيزتي صورة من والدتك، ولذلك فخيالي عاجز عن تصور سعادتي.
فضحكت سوسن هانم قائلة: أرجو أن تذكر كلامك هذا للمستقبل، فإنه يقال إننا - الحموات - لا نسمع الكلام الجميل إلا في هذه المناسبة.
وضحكت سلوى ضحكة رقيقة جدا، فازداد عيسى سعادة وملكته فجأة رغبة في التباهي فسألها: ترى هل يضايقك العيش في الخارج لو دفعتنا الظروف مستقبلا للعمل في السلك السياسي؟
فأجابت عنها أمها قائلة: سلوى متخرجة في المدرسة الألمانية.
فابتسم معلنا عن ارتياحه، ثم غمغم: لتكن الحياة سعيدة، شهدنا في حياتنا آلاما حقيقية، فلتكن سعادتنا حقيقية أيضا!
5
قال عيسى لسلوى: في حياتنا سر يجب أن تعرفيه.
وهما يجلسان في الفراندا المفعمة بعبير الورد والقرنفل، والمغيب يقترب نصف مسدل الجفنين، والشمس تسحب أهدابها من هامات القصور، والربيع يتنفس شبابا رائقا، وهما في خلوة خلقها اختفاء سوسن هانم إلى حين، يشربان الليمون من دورق بلوري على ترابيزة من القش الملون. وغمغمت سلوى متسائلة: سر؟!
فارتفع نصفه الأعلى ابتداء من حاجبيه المستقيمين، كما يفعل وهو يتأهب للحديث أو للخطابة، ثم قال: نعم، تظنين أنني تقدمت لخطبتك دون سابق رؤية، ولكنني في الحق أحببتك حبا عظيما قبل عشرة أعوام، كنت وقتذاك في العاشرة وكنت أنا في العشرين، وكنا نقيم في بيت والداتي بالوايلية، وأنتم كنتم في الهرم، وكان والدك - المحامي وقتذاك - على صلة وثيقة بأبي ويتبادلان الزيارة كثيرا، وكنت جميلة جدا كما أنت اليوم، فوقعت في غرامك، ألا تذكرين تلك الأيام؟!
نامعلوم صفحہ