سلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
اصناف
ولم يستطع قسطنطين دفعا للخطر المجاور له، ولم يستطع منع العمال من السير في عملهم بهمة ونشاط، ولم يستطع منع الجنود العثمانيين من اكتساح كل القرى والضياع المجاورة للقسطنطينية ومن هدم المباني والمساكن لإتمام بناء حصنهم على ضفة البوسفور.
ولقد أخذ السلطان محمد الثاني على عاتقه الإشراف على إنجاز ذلك الحصن، وأعلن لرعايا سلطنته في آسيا وأوروبا أن يمدوه بالصناع والعمال للإسراع في إتمام مشروعه الكبير. فسار العمل بدقة وسرعة غريبتين، ولم يترك السلطان مجالا لأي شيء شأنه في كل مشاريعه الحربية.
اختار السلطان المكان بنفسه، وأظهر باشاواته وكبار موظفيه ولاءهم وإخلاصهم بالاشتراك مع العمال في نقل الأحجار والملاط والأدوات اللازمة للبناء.
وتقول بعض الروايات إن خمسة عشر ألف عامل قاموا بإنجاز ذلك المشروع، وتروي الأخرى بأنهم كانوا ستة آلاف فقط. وربما كان الرأي الثاني هو الأصح. ولقد كلف السلطان محمد قواده بأن يشرف كل منهم على جزء خصصه له، وأشرف بنفسه هو على الجميع.
وبذا لم تعد تصل إلى القسطنطينية الغلال التي كانت تأتيها عن طريق البحر الأسود. ولقد تم إنجاز المشروع في أغسطس سنة 1452 ولم يستطع الإمبراطور البيزنطي غير إمداد العمال الأتراك بالأغذية حتى يسترضي قلب السلطان الغاضب الثائر. ثم حاول بعد ذلك أن يلجأ إلى مهاجمة هؤلاء العمال وطردهم وتدمير ما أنشئوه، ولكن قوات السلطان كانت تقضي على هذه المحاولات بالقوة. ولا تزال آثار التحصينات العثمانية باقية إلى الوقت الحاضر كمظهر من مظاهر النشاط الهائل الذي عرفه التاريخ عن ذلك السلطان القاهر.
وكانت النتيجة الحتمية لبناء ذلك الحصن ولمقاومة البيزنطيين أن أعلن السلطان الحرب رسميا على الإمبراطور البيزنطي على أساس اعتداء البيزنطي على جنوده وعماله.
لقد عمل إنشاء ذلك الحصن على إدخال الذعر والخوف في قلوب البيزنطيين سكان المدينة وبقية رعايا الدولة. فلقد ترك السلطان في ذلك الحصن حامية قوية من جنود مختارين بقيادة فيروز آغا، وأمره بإيقاف جميع السفن التي تمر ببوغاز البوسفور، وأن يفرض عليها إتاوة، هي ضريبة المرور، وجهز الحصن بالمدافع القوية التي تجعل إرادته وأوامره محترمة.
وأخذت حامية ذلك الحصن تعتدي بانتظام على الجهات المجاورة، وفهم الإمبراطور البيزنطي أخيرا أن محاولته المحافظة على السلام بأي ثمن لن تفيده شيئا، فلا شيء يرضي العثمانيين غير القضاء على ملكه وغير الاستيلاء على مدينته؛ ولذا عقد العزم على الموت في عاصمته هو ورعاياه فأغلق أبواب القسطنطينية وبعث إلى السلطان محمد الثاني بما عزم عليه؛ ففي 6 أبريل كتب قسطنطين رسالة للسلطان العثماني يقول فيها:
لما كان من الجلي أنك تريد الحرب أكثر من السلام، ولما كنت غير مستطيع أن أقنعك بإخلاصي واستعدادي لأن أكون تابعا لك؛ لذا فالأمر لله، وسأحول وجهي إلى الله، فإذا كانت إرادته تقضي بأن تصبح هذه المدينة مدينتك، فلا مرد لقضاء الله وقدره، وأما إذا ألهمك الرغبة في السلام، فسأكون سعيدا ما بقيت، ومع ذلك فإني أعفيك من كل تعهداتك واتفاقاتك معي، وسأغلق أبواب هذه المدينة وأدافع عن شعبي إلى آخر قطرة من دمي ...
هذه كانت روح مدينة القسطنطينية أو الفريق الأكبر فيها حين قررت عدم الخضوع، وصممت على الدفاع إلى النهاية. أقفل الإمبراطور أبواب المدينة وقبض على كل الأتراك الموجودين في داخلها، فأرسل إليه السلطان محمد الثاني بإعلان الحرب، ويروي خصوم السلطان المسيحيون المعاصرون له أن السلطان أمر بقطع رءوس مبعوثي الإمبراطور البيزنطي، وهذه الرواية تحتاج إلى دليل، وظهر السلطان بعد ذلك بجيش يبلغ خمسين ألفا بجوار الأسوار، ثم رجع إلى أدرنة فلم يقم الإغريق بأية حركة معادية. كان غرض السلطان من هذه الزيارة القصيرة التي دامت ثلاثة أيام الاستطلاع ، وبحث موقع القسطنطينية، ودراسة قوة الأسوار والأبراج.
نامعلوم صفحہ