سلطان محمد الفاتح
السلطان محمد الفاتح: فاتح القسطنطينية
اصناف
وفي نهاية القرن التاسع الميلادي عاد للدولة رشدها فقررت إعادة تنظيم الأسطول، وبهذا أصبحت أول قوة بحرية في البحر الأبيض المتوسط، واستمر ذلك التفوق غير منازع إلى أوائل القرن الثاني عشر ثم عاد إلى الدولة الضعف في هذه الناحية بصفة خاصة حين فتح الأتراك السلاجقة معظم آسيا الصغرى، فحرمت بيزنطة من هذه المناطق البحرية التي كانت تجلب منها أحسن بحارتها؛ ولذا اعتمدت على بحريات الدول الأخرى، مثل بيزا والبندقية وجنوة، وأهملت تماما الإنشاء البحري، بل واعتبرت الأسطول مجرد مضيعة للوقت والمال.
ولم تعد للملكية الإمبراطورية في العهد الأخير هيبتها ولا مقدرتها على الإدارة والحكم. ولم تكن الأمور بمستقرة للإمبراطور البيزنطي في داخل الدولة، ولم تكن ظروفه الخارجية بأحسن حالا؛ فلقد تعددت الثورات السياسية العنيفة، وقام على العرش نزاع يكاد يكون مستمرا بين أفراد العائلة الإمبراطورية، واستعان كل مطالب بالعرش بالفرق والأحزاب المختلفة، بل وبالعناصر الأجنبية من الجنسيات المتباينة المحيطة بالدولة، واستخدم كل منهم الجنود المرتزقة واعتصم بأعداء الدولة، وتدخلت الجمهوريات الإيطالية لصالحها الخاص، كما تدخل الكتلان والإمارات التركية المبعثرة في الأناضول.
تدخلت كل هذه العناصر تنصر فريقا على فريق وتقوم بالسلب والنهب إذا سنحت لها الفرص؛ فتخربت أراضي الدولة مما فت في عضد الإمبراطورية وألحق بها الضعف الذي أنهك قواها ولم تجد منه برءا.
كذلك لم يكن استخدام الجنود المرتزقة في آخر الأمر في مصلحة الإمبراطورية، فهؤلاء جنود غرباء لا تربطهم بالوطن البيزنطي ولا بأهالي الدولة وشائج القرابة والنسب، ولم يدفعهم لخدمة الدولة سوى رغبة واحدة هي الكسب المادي؛ ولذا فهم لا يرعون إلا ولا ذماما، ولذا فهم مستعدون في كل لحظة للثورة وللانضمام إلى أعداء الدولة إذا لم تستطع بيزنطة إجابة مطالبهم التي لم تكن تنتهي. أصبح هؤلاء الجنود خطرا وبيلا على الدولة، فاستولوا على مدنها وخربوا قراها. لقد نهب المرتزقة من الأتراك مرة سرادق الإمبراطور نفسه حين فكر في التخلص منهم.
ثم إن فقدان الدولة البيزنطية اهتمامها بالبحرية جعلها تحت رحمة البنادقة والجنويين الذين لم يكونوا مخلصين لغير مصالحهم المادية، بل انتهزوا كل فرصة للنيل من هذه الدولة المنحلة وانتزاع الامتيازات منها والانتقاص من حقوقها، فأشرفت الدولة على الإفلاس المادي، ولو تمكنت الدولة من المحافظة على تفوقها البحري لما استطاع الأتراك العبور بسهولة إلى الشواطئ الأوروبية أو تثبيت أقدامهم فيها. •••
ومن أهم العوامل التي زادت في ضعف الدولة البيزنطية نمو دولتي الصرب والبلغار وتقلص ممتلكات الدولة في البلقان على أيديهم.
ولم يستطع هؤلاء الصرب أو البلغار بعد أن قضوا على الملك البيزنطي في البلقان أن يقفوا متحدين أمام الهجوم العثماني. وفي نفس الوقت الذي وضع فيه الأتراك العثمانيون أقدامهم في جاليبولي، كان على الدولة البيزنطية التي حاقت بها النكبات من كل جانب أن تصد هجمات إخوانها في المسيحية الصرب والبلغار ثم إغارات التتار. لقد حاولت الدولة البيزنطية محاولة اليائس أن تضم صقالبة البلقان إلى جانبها لتكون جبهة متحدة متراصة لمقاومة العثمانيين وطردهم من الأقطار الأوروبية التي احتلوها، ولكن مساعيها ذهبت هباء منثورا، فما كانت رغبة صقالبة البلقان في دمار بيزنطة لتقل عن رغبة الأتراك العثمانيين.
ويضاف إلى انحلال النظم وضعف الحكومة سوء سياسة الدولة من الناحية الخارجية، فكان أمامها فرص ثمينة لو انتهزتها وساعدها الحظ لاتقت شر الأتراك إلى حين. ولم تستفد الدولة من انقسام الأتراك على أنفسهم في مبدأ حياتهم، بل تدخلت تنصر فريقا على فريق، ولم تتركهم يحاربون مواقعهم بأنفسهم، لم تحاول بيزنطة الاتفاق مع التتار في الوقت الذي تداعت فيه أمامهم قوات العثمانيين، بل من الغريب حقا أن تتفق مع فريق من العثمانيين لتثبيت دعائم ملكه وتقوية سلطانه.
كذلك لم تعمل الدولة مخلصة على توثيق صلاتها بالغرب الأوروبي بترددها في الاعتراف بتفوق رومة، فلقد كان فريق كبير من سكانها يفضل سيطرة السلطان العثماني على سيطرة البابا. كان عزيزا على بيزنطة أن تقبل راضية سيطرة رومة. لقد قبل الإمبراطور قسطنطين اتحاد الكنيستين في آخر الأمر، واحتفل بذلك في كنيسة سانت صوفيا، ولكن بعد فوات الوقت، وحين انتهى أجل الدولة فلم تستطع أن تستقدم ساعة أو تستأخر.
ثم توالت الظروف السيئة على الدولة فتضرعت للغرب الكاثوليكي وقبلت شروطه ، ولكن الغرب لم يقدم لها المساعدة الكافية ولا التأييد الخالص في محنتها العظيمة. بل إن الجنويين تعهدوا للسلطان مراد الثاني بنقل ستين ألفا من جنوده إلى الشاطئ الأوروبي.
نامعلوم صفحہ