إن طول الكلام ضرب واحد من ضروب التضليل؛ وذلك أنه يصعب فهم الكلام الكثير ليكون فهما معا، واستعمال هذه الأحرف والتصاريف التى ذكرنا معين فى طول الكلام. وضرب ثان من التضليل الاستعجال فى الكلام، فإنهم إذا أبطأوا فى لفظهم قلما يبرمون مما يقدمون عليه بعمادهم. — وأيضا الغضب والمماراة نحو آخر من التضليل، لأنهم إذا اضطربوا قلما يمكن التحفظ عليهم: وأصول الغضب فيهم شيئان: أنهم يريدون بذلك إظهار جور الجائر، ومكابرة. وفيما بين ذلك يضعون المسائل بالتبديل: كان عند آخر منهم فيها كلام كثير، أو لم يكن؛ فإنه يعرض للمجيب عند ذلك أن يكون محتفظا معا من الكثرة والتضاد. 〈و〉فى الجملة كل ما قيل أولا بالخفاء فذاك نافع فى كلام المجادلين، لأن السيرة فى الكلام أنما يراد بها إدخال الجهل، وذاك من الخديعة.
أما الذين يتصنعون فى كلامهم فإذا ظنوا أنهم قد صاروا إلى الحجة فليسألوا مسألة أنتافاسيس، كان سائلها يريد المضادة أو يجعلها مساوية لمسألتهم، لأن السوفسطائى إذا لم يعلم ما الذى يحتاج إلى أن يأخذ من كلام المتكلم له، كان أقل شغبا. وأما إذا أعطى أحد جوابا فى الأجزاء، والجواب كلى، فربما لم يسأله، ولكننا نبنى على كلامه كم قد أعطى الجواب. وكثيرا ما يظن مثلهم أنه قد أعطى الجواب، ويتخيل ذلك للسمامعين لمكان ما يذكرون من قول الفخار وأنهم لم يسألوا باطلا. وأما الكلام الذى لا يدل بالاسم، بل دلالته عليه بالشبه، فتلك نستعملها على قدر ما يوافق من الحاجة إليها، لأن الشبه يدخل الدهش على السامع.
صفحہ 886