وهذا الكلام يذكرنا بأقوال صحفهم وجرائدهم عندما هبت البلاد لطلب استقلالها، فقد قالوا إن كل استقلال تناله مصر إن هو إلا مهزلة ما دام السودان في قبضة يدنا، وهم يعنون بالسودان: الري ومنبع حياة مصر. •••
وإذا نحن ألقينا نظرة على الحالة الحاضرة نجد أن الإنكليز تمسكوا منذ الساعة الأولى بأن يكون «حكمدارات» القاهرة والإسكندرية والقناة، وهي أمهات المدن، من الإنكليز كما تمسكوا بالسودان (منبع النيل).
وإذا نحن ألقينا نظرة أخرى على مصلحة الري في مصر ذاتها نجد - كما قلنا قبل - أن وكيل الوزارة الإنكليزية هو الذي يتلقى أنباء الري بالسودان دون سواه، ونجد العنصر المصري بالري أحط مقاما مما كان عليه قبل الحرب.
فالمفتش في خزان أسوان إنكليزي ووكيله إنكليزي، والمفتش بقنا مصري ووكيله إنكليزي، وكذلك في قناطر أسيوط وري زفتى بالمنصورة، ومفتش القسم الثالث في الإسكندرية إنكليزي ووكيله إنكليزي، وكذلك في القسم الثاني بطنطا وفي القسم الأول بالقاهرة وقسم الخيرية والقسم الرابع ببني سويف.
ونجد في تفتيش عموم ري الوجه القبلي المفتش العام مصري ووكيله إنجليزي، وفي عموم ري الوجه البحري المفتش ووكيله إنكليزيان، وهؤلاء جميعا باقون حتى سنة 1927.
إن الإنكليز كما قال أوبين أوجين قد جعلوا الري غلا في عنق مصر وقيدا في رجلها دون الاستقلال، فالذين وكلتهم الأمة بطلب استقلالها موكول إليهم البحث عن هذا الاستقلال بكل أجزائه، والأمة من ورائهم تسند ظهورهم وتؤيدهم كل التأييد.
مشروعات الري الحديثة في وادي النيل والإيراد المائي اللازم لريه
(1) بيان السر مردوخ مكدونالد مستشار الأشغال
كتب السر مردوخ مكدونالد مستشار وزارة الأشغال مذكرة عن الإيراد المائي اللازم لري الأراضي المصرية، وتكلم فيها بالتفصيل عن تقدم الزراعة وطرق الري، وهي المذكرة التي انبرى المهندسون لتفنيدها، وهي مع ذلك تدلنا على أن سد مكوار لا يفيد مصر بل يضر بها، وإليك نص المذكرة:
إن كيفية جعل المقدار الطبيعي لمياه النيل وافيا في جميع موسم السنة مما يتطلبه تقدم الزراعة التي كانت ولا تزال نصب أعين القائمين بشئون الري في القطر المصري، وقد تقدمت الزراعة تقدما عجيبا خلال القرن الماضي الذي شهد تحويل الوجه البحري من نظام الري القديم نظام ري الحياض بمحصوله السنوي الوحيد، إلى النظام الحديث الري الصيفي الذي معه تستطيع الأرض أن تنتج في المتوسط محصولين في السنة أحدهما محصول القطن الثمين، وشهد القرن الماضي أيضا تحقيق تلك الفكرة الباهرة فكرة قناطر الدلتا واستخدامها فيما بعد للري.
نامعلوم صفحہ