في هذا السعي الدائم إلى المعرفة، الذي يبدو فيه الذهن البشري حلقة في سلسلة لا متناهية، يبلغ الإنسان كماله، فإذا كان ثمة «خلاص» للإنسان، وإذا كان ثمة «بركة» أو سعادة قصوى يمكن أن ينالها، فهذه هي، «فمما قلناه يتجلى بوضوح أين يكون خلاص الإنسان أو بركته أو حريته؛ أعني في الحب الدائم الأزلي لله، أو في حب الله للناس. هذا الحب، أو البركة، هو الذي يطلق عليه في الإنجيل، عن جدارة، اسم المجد؛ إذ إنه سواء كان مصدر هذا الحب هو الله أو الذهن، فإنه يصح عليه اسم طمأنينة الروح، التي ... لا تختلف حقيقة عن المجد.»
91
في هذا النص تبلغ لغة اسپينوزا - المزدوجة الدلالة - قمتها، ويصل في النهاية إلى نفس الصيغة التي وصلت إليها الأديان، ولكن بعد إثبات مطول، ربما كان قد استغرق كتاب «الأخلاق» كله، للهوية بين المعرفة الإلهية أو الحب الإلهي وبين العلم ومعرفة الضرورة التي تحكم الكون. فعندما يتخذ الإنسان من ذلك العلم الصحيح هدفا له، يغدو كل شيء واضحا أمامه، وتزول كل الآلام والانفعالات الهوجاء لأن كل شيء يفسر من خلال الضرورة الكلية للكون، ويصل الإنسان إلى التحرر الحقيقي - التحرر من الانفعال والخوف الناتج عن الجهل بالأسباب، وعن إغفال الطبيعة الضرورية لكل الحوادث.
92
ويكتسب العقل راحته الكبرى عندما تظهر الضرورة الكونية الأزلية أمامه واضحة شفافة.
وظاهر الصيغة ديني لا شك فيه، وعلى أساس هذا الشكل الظاهري لها وقع كثير من الكتاب في خطأ تفسير اسپينوزا تفسيرا تقليديا. فقال برييه
Bréhier
مثلا: «إن مذهب اسپينوزا، منظورا إليه في مجموعه، إنما هو مذهب للخلاص عن طريق معرفة الله.»
93
وقال فرويد نتال شارحا هذه الفكرة: «إننا إذ ننظر إلى الأشياء كما توجد في الله وكما تتلو من الطبيعة اللامتناهية لله، وإذ ندرك أنفسنا وانفعالاتها كما ترتبط بالله، نرتقي من حالة أدنى في الوجود إلى أكمل حالة يتسنى لنا بلوغها، فعندئذ ندرك أسمى ما هنالك من مراتب الغبطة والسكينة. على أن علة هذه الغبطة هو الله، ومعرفتنا هذه له بأنه هو علة هذه الغبطة، تبعث فينا أعمق وأنقى انفعال يمكننا أن نمارسه، وهو حب الله.»
نامعلوم صفحہ