الليل وكذلك الصبوح وكان علي بن نوشتكين ومحمد العربي ممن حضروا المجلس وممن ظلوا يسهرون ويشربون مع محمود الليلة بكاملها ومع إشراقة الصباح أصيب علي بدوار وبدا عليه أثر إرهاق السهر والإفراط في الشراب فاستأذن السلطان بالذهاب إلى منزله فقال له محمود ليس صوابا أن تذهب في وضح النهار وأنت سكران هكذا إبق هنا واسترح في إحدى الحجرات حتى العصر ثم اذهب انذاك وأنت صاح فإنني أخشى إذا ما ذهبت الان بهذه الحال أن يراك المحتسب في السوق فيأخذك ويقيم عليك الحد فيراق ماء وجهك وينتابني الغم دون أن أستطيع التفوه بشيء غير أن علي بن نوشتكين الذي كان قائدا لخمسين ألف فارس وصنديد زمانه والذي كان يعد بألف رجل لم يخطر له على بال أن المحتسب سيجرؤ حتى على مجرد التفكير في الأمر فلم ينثن عن عزمه بل أصر على أن لا بد من الذهاب فقال محمود الرأي رأيك دعوه يذهب
وركب علي بن نوشتكين في موكب عظيم من فرسانه وغلمانه وخدمه قاصدا منزله وشاءت الصدفة أن يكون المحتسب مع مئة من رجاله بين خيال وراجل في وسط السوق فلما رأى عليا سكران أمر بإنزاله عن فرسه ونزل هو أيضا ثم أمر بان يجلس رجل على رأسه واخر على رجليه وجلده بيده دون أدنى محاباة أربعين جلده حتى التهم الأرض بأسنانه وحاشيته وعسكره ينظرون دون أن يجرؤ أي منهم على أن يتفوه بكلمة واحدة
كان ذلك المحتسب تركيا عجوزا محترما وكانت له حقوق خدمات كثيرة فلما مضى لشأنه نقل عليا رجاله إلى بيته وهو يردد في طول الطريق كل من لا يطيع أمر السلطان سيلقى ما لقيت
ولما مثل علي بين يدي السلطان في اليوم التالي وساله وماذا عن المحتسب كشف عن ظهره وأرى محمودا اثار الجلدات عليه واحدة واحدة فضحك محمود وقال لتتب وإلى الأبد ان تخرج من البيت وأنت سكران
وبما أنه أحكم أساس الملك وقواعد السياسة فقد كان العدل يطبق على النحو الذي ذكر
صفحہ 81