الآخرة أكثر منها في طلب الدنيا ، وذلك لفتن الشيطان بحب المدح والرياء ، واستشعار الكبر والخيلاء ، وغير ذلك من معاريض مكره وكيده ، وما يقاسى فيه من الاخلاص وشدائده ، فإن لم تحترسوا منها ، وتحتجبوا بالله عنها ، عارضتكم فيها الهلكة والتلف ، ثم لم يكن في أيديكم إلا الحسرة والأسف.
فعليكم بقراءة الكتب الدالة على حكم الله وعجائب قدرته ، ولا تقرءوا ما قرأتموه منها للتزين في أعين الناس بقراءته ، وانفوا عنكم تثاقل التلهية ، بذكاء الفكر والنية ، وإذا أعطيتم فاشكروا ، وإن فرحتم فاذكروا ، وإن ابتليتم فاصبروا.
واعلموا أن الصلوات ، ليست بطرب الأصوات ، ولكنها بالباطن الظاهر ، والفكر المنير الزاهر ، والنية الصادقة ، والضمائر المحققة ، فاستعملوا ضمائركم بصحيح الاستعمال ، ولا تميلوا إلى ظاهر المراءاة باللسان ، تكن أعمالكم مطيبة زاكية ، وضمائركم لله خالصة نقية ، (1) ولن يكون الانسان في فعله خلصانيا ، ولا فيما تتوق إليه نفسه من ولاية الله وليا ، إلا بإخلاصه لصلاته وصيامه ، ومحافظته على ما حكم الله به عليه من أحكامه ، فأطيعوا الله (2) ما استطعتم ، وأخلصوا له الطاعة إذا أطعتم ، واصرفوا قلوبكم إلى تقوى الله ، تكونوا من السابقين دون غيركم إلى تعظيم الله ، فقد نبهكم (3) الله لها فأيقظكم ، وأمركم بما تعملون منها فوعظكم. فالعجل العجل والحذر الحذر! والنجا النجا! والوحاء الوحاء! فقد حدانا (4) الرسول على رفض الدنيا وأجهر (5)، وحرك إلى قبول أمر الله فيها فاستنفر ، (6) كل نفس سوية مفكرة ، ذات عين صحيحة جلية مبصرة ، فما لأحد من عذر ولا علة ، في وناء ولا تقصير ولا غفلة.
فهل من مستجيب لله في ذلك مدكر؟! وهل من رائح إلى الله أو مبتكر؟! منيب
صفحہ 358