ثم أن المؤيد بالله كاتب منوجهر بعد ذلك بكتاب حسن مشحونا بحجج وآيات وأمثال وأخبار فصالحوه على بذل ألفي دينار كل سنة، ثم حدث من بعد فتنة طبرستان وتعصب النواصب على الأشراف والشيعة وكان ينصر عامة أهل طبرستان ابن سيف الدينوري ويعضدهم، وكان واليا على آمل من يد منوجهر، واشتد ذلك حتى قدم الشيخ أبو القاسم البستي آمل من الري وأظهر التعصب للشيعة في مجالس التذكير، وسئل يوم الغدير عن الفضل بين علي وأبي بكر، فقال: مثل علي كمثل كوز جديد لم يمسه شيء، ومثل أبي بكر مثل كوز كان فيه خمر ودم وأنجاس وأقذار ثم غسل غسلا نظيفا، وذلك لأن عليا لم يشرك بالله طرفة عين، وأبو بكر كان مشركا أربعين سنة، وإن بريء من الكفر وطهر من الشرك. فغاظ النواصب هذا المثل لوقوف العامة عليه، وكان في البلد متفقه لم يكن له عند العامة سوق، يكنى بأبي إسحاق الصفار فلما بلغه هذا الحديث غدا من مسجده حافيا حاسرا يخرق البلد إلى دار العامل المعروف بابن سيف وتبعته العوام على عادة الطبرية، وعاجوا وجلبوا على باب العامل فتوصلوا بذلك إلى طرد الشيخ أبي القاسم البستي من البلد فأخرجه ابن سيف قسرا بعد ثلاثة أيام وقد فتن البلد وانعقد للصفاري سوق عند العامة، ودامت الفتنة في البلد وكانوا يقصدون مشهد الناصر، واستعان الأشراف بجماعة من الجيل كانوا يحضرون المشهد ويذبون عنه، ويحامون دونه، وقتلوا جماعة من العوام، وقتل من الجيل واحد، ودامت الفتنة واستحكمت الوحشة، ولم يتمكنوا من إحراق المشهد حتى استعان أهل البلد بمشبهة الرسانيق من ناحية آرم براه من ناحية أهلم وكان رئيسهم أبو القاسم وابويه، وخاف أبو أحمد الناصر رئيس الأشراف على ماله وداره فراسل سكان المشهد وأمرهم بمفارقته وتسليمه من القوم ففعلوا فقصده القوم وأشعلوا فيه النار وأحرقوه عن آخره، ونقضوا المنارة والسور ثم قصدوا بعد ذلك دار أبي الحسن الناصر وأحرقوها، ثم هدموا مسجدا للشيعة في سكة حازم ثم حضر الصفاري وخرب المسجد المعروف بزيدكيا العلوي في بقعة تدعى آش ريه، واستمرت الفتنة وهاج الجيل بجيلان يهتجمون ويصولون وامتدوا إلى باب المؤيد بالله يلزمونه التقدم إلى آمل للانتقام والانتصاف، فأظهر المؤيد بالله الضعف والعجز عن النهوض بنفسه، وقال: لا أجد لهذا الأمر في الحال غير السيد الثائر في الله أبي الفضل صاحب هوسم، فلما أمره بذلك أبا وامتنع وتقرب إلى منوجهر وأخذ منه المال فهاج عليه الخيل، وهموا بالقبض عليه، وأحرقوا داره بهوسم وألجئ إلى الهرب، فكما أيس منه كاتب أبا جعفر الناصر المقيم بالري وأرسل إليه أبا الحسن الأيسكني وخاطبه بالسيد الفاضل، فلماقرأ الكتاب، قال: هذا لطفه عند الإستدعاء، فكيف لطفه(1) إذا حصلت عنده. وامتنع من إجابته، وأنفق منوجهر عشرين ألف دينار بهذا السبب، وأعاد عمارة المشهد، وأنفق عليه حدود ألف وسبعمائة دينار، وقبض الإسفهسلاز المعروف بالحاجب الكبيرإسفاوجين بن أصفهاه(2) على المعروف بالصفاري بأمر منوجهر، وأصدره إلى استراباذ، وحبس في قلعة تكريت، وبقي فيها زهاء على عشر سنين، حتى هلك منوحهر، فتقرب أبوكالجار إلى الطبرية، وأطلقه ورده إلى أمل، فكان في الكرة الثانية شرا منه في الأولى، ولا زال يتعصب ويتعرض للأشراف والشيعة، إلى أن هلك أبو كالجار فأنهض شرف المعالي إلى آمل للسياسة للأمير وردانشاه بن أسفرستان الريازي حشاش أهل طبرستان سياسة منكرة، وقتل من المفسدين عدة، وقتل الصفاري.
صفحہ 31