فيأيها المتكلم الجماعي، والمتفقه السني، والنظار المعتزني، الذي سمت همته إلى صناعة الكلام مع إدبار الدنيا عنها، واحتمل ما في التعرض للعوام من الثواب عليها، ولم يقنعه من الأديان إلا الخالص الممتحن ولا من النحل إلا الإبريز المهذب، ولا من التمييز إلا المحض المصفى. والذي رغب بنفسه عن تقليد الأغمار والحشوة، كما رغب عن ادعاء الإلهام والضرورة، ورغب عن ظلم القياس بقدر رغبته في شرف اليقين:
إن صناعة الكلام علق نفيس، وجوهر ثمين، وهو الكنز الذي لا يفنى ولا يبلى، والصاحب الذي لا يمل ولا يغل، وهو العيار على كل صناعة، والزمام على كل عبارة، والقسطاس الذي به يستبان نقصان كل شيء ورجحانه، والراووق الذي به يعرف صفاء كل شيء وكدره، والذي كل أهل علم عليه عيال، وهو لكل تحصيل آلة ومثال.
ألا إنه ثغر والثغر محروس، وحمى والحمى ممنوع، والحرم مصون، ولن تصونه إلا بابتذال نفسك دونه، ولن تمنعه إلا بأن تجود بمهجتك ومجهودك، ولن تحرسه إلا بالمخاطرة فيه. والثواب على قدر المشقة، والتوفيق على مقدار حسن النية.
وكيف لا يكون حرما وبه عرفنا حرمة الشهر الحرام والحلال المنزل، والحرام المفصل؟ ! وكيف لا يكون ثغرا وكل الناس لأهله عدو، وكل الأمم له مطالب.
صفحہ 244