فوجئ مراد بتليفون منزله يستدعيه. - ألو من؟ - أنا سعيد سلطان يا مراد. - يا مرحب يا مرحب سعادة الباشا. - الباشاوية ألغيت. - لكي تأخذوها أنتم. وأين الباشاوات منكم يا سادة الدنيا كلها؟! - أنت لم تتغير. - أمر منك أن أتغير إلى أي شكل تريد. أنا من يدك ذي إلى يدك ذي. - أحب أن أراك. - أجيء الآن. - تعرف بيتي؟ - لم أصل إلى هذا الشرف. - في الحلمية، شارع نسيم باشا رقم 4 الدور الرابع. - بعد ساعة. - لا. أنا أنتظرك في الساعة السابعة اليوم. •••
بيت متهالك عجيب الشأن لا مساحة له عبارة عن واجهة بلا عمق إلا بمقدار حجرة واحدة. فالحجرات فيه متراصة متجاورة في نظام عجيب لم يشهد له مراد مثيلا. وعرف لماذا يخبره سعيد عن رقم الشقة لأن الدور على ضآلته شقة واحدة، وكانت المرة الأولى التي يشاهد فيها مراد عمارة بأكملها لا تزيد على واجهة فقط، وهي تدل دلالة واضحة عن الحالة المالية لسكان هذا البناء العجيب الذي لا يجرؤ أحد أن يسميه عمارة.
فتح الباب لمراد فتاة في سن الشباب الباكر تلبس جلبابا من الكستور الرخيص لا توحي لرائيها بشيء، فلا هي جميلة، ولا هي قبيحة، ولاهي طويلة فارعة، ولا هي قصيرة قزعة، ولا هي نحيفة ضامرة ولا سمينة ممتلئة. إنها كالشيء الذي لا معنى له، أو مثلها مثل الكلمة العابرة التي إن سقطت من الكلام لا يتغير معناه. وقادته إلى غرفة خبيثة الأثاث والرائحة معا واضح أنها لم تفتح منذ عهد بعيد. - أهلا وسهلا. - مراد طلبة. البك ينتظرني. - تفضل، أتشرب قهوة أم تفضل الشاي؟ - لا داعي للتعب. - هذا واجب لا بد منه. - إذن قهوة زيادة إذا سمحت. - حاضر، سعيد أخي يلبس وسيأتي حالا. •••
قال سعيد: اسمع، إن الحديث الذي سيجري بيننا إذا عرفه أحد ثالث ... - لا سمح الله. - لا، المسألة ليست مسألة كلام، إذا عرفت أنك نطقت بكلمة مما سأقوله لك سأقتلك؟ - عيب يا سعيد بك، ألا تثق في؟ - ما عيب إلا العيب، أنا لا أقصد أقتلك على سبيل التهديد والتخويف، لا، سأقتلك فعلا بالرصاص وأنت تعلم أن هذا ليس صعبا بالنسبة إلي. - يا خبر أسود، على كل حال إن كنت تشك في فعلا فلا داعي أن تقول لي شيئا. - لو كنت أشك ما طلبتك. - إذن فما هذا الكلام الذي تقوله؟ - لأخلص ذمتي من ذنبك، ليس عندي إلا القتل. - أمري إلى الله. - وأمام هذا التهديد هناك الوعد بالثراء بصورة لا تخطر لك على بال. - كيف؟ - لن أقول لك أكثر من أنني أعمل بلجنة الجرد. - وما معنى هذا؟ - معناه كثير جدا. - أفهم. - سأحصل على مجوهرات وتحف لا تقدر بمال. - معقول، وأثاث طبعا. - لا الأثاث والأشياء الكبرى لها جهات أخرى. - مفهوم. والمطلوب؟ - ألم تفهم؟ - فقط أستفسر. - هذه التحف والمجوهرات إذا بعتها أنا في مصر فستباع بأبخس الأثمان. هذا بجانب أنني لا أجرؤ أن أعرف نفسي للمشترين. - وماذا تريد مني؟ - تبيعها بالنيابة عني، ولك النسبة المئوية التي ترضيك في كل صفقة. - أين أبيعها؟ - في الخارج طبعا. - والخروج بها وكل ما يتعلق بالمسائل الأمنية وشرطة المطار والتفتيش؟ - كل هذا لا شأن لك به، ما رأيك؟ - وهل فيها رأي؟! - اتفقنا. - على بركة الله. - على بركة الله.
13
ما أسرع ما انضم مراد إلى هيئة التحرير، وما لبث سعيد أن جعل منه عضوا متميزا في شتى مناحي الحياة السياسية، فعرف الدهاليز والدروب.
وكان من الطبيعي أن يصبح موئل طلاب الجامعات، ليس في الميمونة وحدها كما كان شأنه أيام صلته بفكري باشا، وإنما اتسع مجال خدماته مدفوعة الأجر، فشمل المنطقة كلها.
وكان الحاج دياب فخورا كل الفخر بما بلغه ابنه من مكانة رفيعة، ولم يكن يعنيه في قليل أو كثير أن يتقاضى ابنه أجرا مقابل خدماته أو لا يتقاضى.
ولم يكن مراد كاذبا كل الكذب حين يقول لمن يرشونه إنه يضطر أن يقدم هذه الرشى لمن يملكون قضاء هذه الحوائج.
وكانت نازلي أشد الناس فرحا بالأهمية الباذخة التي يمرح في ساحتها مراد تياها فخورا. وكانت في نفس الوقت أشد الناس خوفا. لقد كان خليقا أن يكتفي بالصفقة التي عقدها مع سعيد ليصبح من أثرى أثرياء المديرية جميعا.
نامعلوم صفحہ