وكان أول ما صنع من الناحية السلبية أن يقطع صلاته جميعا بنديم.
ولم يكن هذا غريبا على نديم فما انتظر من صديقه الحميم غير هذا.
ولم يكن أثر الثورة على نديم فادحا كما كان بالنسبة لوزراء آخرين. فلم يكن أبوه ذا شأن خطير في الحزب، وإن يكن قد بلغ منصب الوزارة فما كان وزيرا ذا خطر يخشاه أعداؤه.
ولم يكن فكري باشا ذا مال يستحق أن توضع عليه الحراسة. فما كان وفير الغنى.
وما دام مقدور الرزق والخطر ففيم تلتفت إليه الثورة؟ فلتصرف انتقامها إلى الذين إن حاربتهم أصابت بهم أحزابهم وأشياعهم ومناصريهم.
أما نديم فقد ظل يعمل في مكتب المحاماة، وقطع تماما جهاده السياسي.
وقد استطاع نديم في فترة قصيرة أن يصبح المحامي الثاني للمحامي الكبير منير فراج، ومضى في طريق المحاماة صعدا. وقال له منير: يا نديم أعرف أنك تنوي أن تفتح مكتبا خاصا. - ليس الآن على أي حال يا سعادة البك. - لا تفعل هذا الآن ولا بعد الآن. - أمرك، ولكن لماذا؟ - أنا أرى مستقبلك في المحاماة عظيما، وأنا ليس لي أولاد، وسني أصبحت لا تحتمل جهد المحاماة. فأنا سأبيع لك المكتب لأنك الوحيد بين زملائك الذي أطمئن على قضايا موكلي بين يديه؟ - لكن يا سعادة البك ...
فقاطعه منير بك: لا تكمل أنا أعرف تماما حالتك المالية وحالة الباشا أيضا. سيكون البيع أقرب إلى الهدية منه إلى البيع. لولا خشيتي أن أثير عليك حسد زملائك لأهديته إليك. والله يعلم ما اخترتك إلا لأمانتك. ولحرصي على مصالح موكلي الذين بذلت عمري كله في اكتساب ثقتهم. - أنا لا أدري ماذا أقول، إلا أنني دائما سأظل ابنك في المحاماة، وفي الحياة جميعا.
وسواء بالنسبة للقضايا التي ستتركها في المكتب، أو القضايا التي قد يأتي بها موكلون جدد الذين لن يقصدوا إلا على الاسم الرفيع الذي يتمتع به المكتب بفضلك. فإنك أنت دائما ستظل أستاذي ومرجعي في كل هذه القضايا قديمها وحديثها. - هذا ما توقعته، لا تقل كلمة مما دار حولنا إلا لوالدك. فأنا لا أريد أحدا غيره يعلم ما انتويت. - هذا طبعا ما كنت أنوي عمله. - على بركة الله.
12
نامعلوم صفحہ