وخلفه (1)، فى أمر كان لذلك (2) الشيء أولا وكان الأول مختصا به ، والآن فقد فاته (3) وذلك لا كيف ولا كم فى ذات أحدهما ولا جوهر ، بل الحيز الذي كان الأول فيه ثم صار الآخر فيه ، ولأن الناس كلهم يعقلون أن هاهنا فوقا ، وأن هاهنا أسفل ، وليس (4) يصير الشيء فوقا وأسفل بجوهر له أو كيف (5) أو كم فيه أو غير ذلك ، بل المعنى (6) الذي يسمى مكانا. وحتى أن الأشكال التعليمية لا تتوهم إلا أن تتخصص (7) بوضع (8) وحيز ، ولو لا أن المكان موجود مع وجود (9) له تنوع وفصول وخواص ، لما كان بعض الأجسام يتحرك طبعا إلى فوق وبعضها إلى أسفل. قالوا : وقد بلغ من قوة أمر المكان أن التخيل العامى بمنع (10) وجود شيء (11) لا فى مكان ، ويوجب أن المكان أمر قائم بنفسه يحتاج (12) أن يكون معدا حتى توجد فيه الأجسام. ولما أراد استودوس الشاعر أن يقول شعرا يحدث فيه عن ترتيب الخلقة لم ير أن يقدم على وجود المكان شيئا ، فقال : إن أول ما خلق (13) الله تعالى (14) المكان ثم الأرض الواسعة. فأما حل (15) الشكوك التي أوردها (16) نفاة المكان (17)، فسيتأخر (18) إلى وقت إحاطتنا (19) بماهية المكان ، فلنعرف (20) أولا ماهية المكان (21).
* [الفصل السادس] و فصل (22) * فى ذكر مذاهب الناس فى المكان وايراد حججهم
إن لفظة المكان قد يستعملها العامة على وجهين ، فربما عنوا بالمكان ما يكون الشيء مستقرا عليه ، ثم لا يتميز لهم أنه هو الجسم الأسفل (23) أو السطح الأعلى من الجسم الأسفل (24)، إلا أن يتزعزعوا يسيرا عن العامية ، فيتخيل
صفحہ 114