قال: أما الكلام فى الشعر وأنواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه إجادة قرض الأمثال والخرافات الشعرية، وهى الأقاويل المخيلة، وإبانة أجزاء كل نوع بكميته وكيفية — فسنقول فيه إن كل مثل وخرافة فاما أن يكون على سبيل تشبيه بآخر؛ وإما على سبيل أخذ الشىء نفسه لا على ما هو عليه، بل على سبيل التبديل، وهو الاستعارة أو المجاز؛ وإما على سبيل التركيب منهما. فان المحاكاة كشىء طبيعى للإنسان، والمحاكاة هى إيراد مثل الشىء وليس هو هو، فذلك كما يحاكى الحيوان الطبيعى بصورة هى فى الظاهر كالطبيعى. ولذلك يتشبه بعض الناس فى أحواله ببعض ويحاكى بعضهم بعضا ويحاكون غيرهم. فمن ذلك ما يصدر عن صناعة، ومن ذلك ما يتبع العادة، وأيضا من ذلك ما يكون بفعال، ومن ذلك ما يكون بقول.
والشعر من جملة ما يخيل ويحاكى بأشياء ثلاثة: باللحن الذى يتنغم به، فان اللحن يؤثر فى النفس تأثيرا لا يرتاب به، ولكل غرض لحن يليق به بحسب جزالته أو لينه أو توسطه، وبذلك التأثير تصير النفس محاكية فى نفسها لحزن أو غضب أو غير ذلك. وبالكلام نفسه، إذا كان مخيلا محاكيا. وبالوزن، فان من الأوزان ما يطيش ومنها ما يوقر. وربما اجتمعت هذه كلها؛ وربما انفرد الوزن والكلام المخيل: فإن هذه الأشياء قد يفترق بعضها من بعض، وذلك أن اللحن المركب من نغم متفقة، ومن ايقاع قد يوجد فى المعازف والمزاهر. واللحن المفرد الذى لا إيقاع فيه قد يوجد فى المزامير المرسلة التى لا توقع عليها الأصابع إذا سويت مناسبة. والايقاع الذى لا لحن فيه قد يوجد فى الرقص، ولذلك فان الرقص يتشكل جيدا بمقارنة اللحن إياه جتى يؤثر فى النفس.
صفحہ 168