131

وأما (( الوضع ))، فقد تبين لك أنه اسم يقال على معان، وأن الذى هو المقولة، فهيئة تحصل للتمام أو الجملة، لأجل نسبة تقع بين أجزائها وبين جهات أجزائها، فى أن يكون لبعضها عند بعض مجاورة المعتبر بجزئيته لا ذلك فقط، بل يخالف مع ذلك بالقياس إلى أمور غير الموضوع المعتبر بجزئيتة، إما أمكنة حاوية وإما متمكنات محوية وجهات، وهذا كالقيام، والقعود، والاستلقاء، والانبطاح. ولا أحتاج أن أزيدك على ما سلف بيانا وشرحا وتفصيلا وتطويلا، بل اعلم أن ((الوضع)) قد يكون فيه تضاد، فإن الهيئة الحادثة من وضع، تصير الأجزاء لها إلى جهات مضادة لجهات أخرى، هى هيئة مضادة للهيئة المخالفة لها، كالاستلقاء، والانبطاح. وذلك إذا كانت الأجزاء لا تتخالف بالعدد فقط، بل بالطبع. ومثال هذا، أن المكعب الذى له ست جهات، لا اختلاف فيها إذا وضع وضعا حتى صار هذا السطح منه ((فوق))، وهذا يمينا وهذا شمالا، وكذلك إلى آخرها. ثم غير حتى صار هذا الذى هو " فوق " ، هو " تحت " والذى هو " تحت " هو " فوق " ، فإن حال جملة الموضوع، فى تناسب ما بين أجزائه، محفوظة واحدة بالعدد، ووضعه، لا يخالف الوضع الأول بالنوع بل هو كما كان، لكن هذا الوضع مخالف لذلك بالعدد؛ وأما هيئة الجملة فمحفوظة، ولا يتخالف الوضعان بالحد، بل بالتخصيص الجزئى، وذلك لأن الجهات، هى التى كانت بأعيانها، والأجزاء والأطراف التى تليها هى مثل التى كانت لا تخالفها بأنواعها بل بأعدادها.

وأما لو كان بدل المكعب المتشابه الأضلاع، شجرة، أو إنسان، فنصبا على ساقيهما ثم قلبا ونكسا، فإن حد الأمرين مختلف. فإن حد الأول وضع هيئة حاصلة للشئ من حصول ساقه كذا وحصول رأسه كذا، وحد الثانى مخالف لذلك، لا بسبب أن الساق والرأس إنما يتخالفان بالعدد فقط، بل هما يتخالفان أيضا فى المعنى والطبيعة. فإذا كان حد الهيئتين متخالفين، وبينهما غاية الخلاف، وموضوعهما واحد، فهما متضادان. وأما هنالك فإنما كان تتخالف الخصوصية الجزئية دون الحدود، إذ كان سطح ما منه " فوق " فصار " تحت " وصار الآخر " فوق " ؛ وذلك السطح، إنما يغاير السطح الآخر بالعدد، مغايرة ليست فى حدين، والأضداد هى التى لها طبائع متباينة، وحدود متخالفة، وتتخالف بالنوعية لا بالشخصية. وكما أن الجسم لا يجتمع فيه البياض الحادث أمس، من حيث هو ذلك البياض الأمس، والبياض الحادث اليوم، من حيث هو هذا البياض، وهما يتعاقبان على موضوع واحد، وليسا يتضادان، إذ ليس بينهما غاية الخلاف، ولا خلاف بأمر داخل فى اللونية، فكذلك، وأن كان لا يجتمع فيه ذلك الوضع الشخصى وهذا الوضع الشخصى ، ويتعاقبان فيه، فليسا بمتضادين، إذ ليس بينهما غاية الخلاف فى الطبع وفى حقيقة الوضع. وبعد ذلك، فإن الوضع يقبل الأشد والأضعف على نحو قبول الأين، ولا يقبله على نحو لا قبول الأين، ولأن قولنا قيام وجلوس قد يقال على الحركة إلى حصول هذا الوضع ويقال على الهيئة الحاصلة. فاعلم أن القيام الذى من الوضع، هو القار منها، لاحالة " أن يقوم " .

صفحہ 135